بقلم/ احمد الشاوش
كل الوقائع تؤكد اليوم ان اليمنيين من اعلى هرم السلطة وحتى أخمص قدميها ينطبق عليهم المثل القائل " عز الدين أضرط من أخيه".

عز الدين الذي ذاع صيته في التراث العربي والاسلامي صار اليوم محل سخرية وتندر وأضحوكة المجتمع ومثالاً للتشبيه وانعدام المقاربة بعد ان تناسل في كل مجلس وشارع وقرية ومدينة ليعكس لنا مقارنة بين صورة المسؤول السيء والاسواء في واقع مُر تتلاطمة شياطين السياسة

والمشهد الذي لاجدال فيه اليوم ، ان كل المشارب والاتجاهات الفكرية والثقافية تعيش حالة من الضراط السياسي والانتفاخ المذهبي والفساء المناطقي والاسهال الوطني والرؤية الضبابية بين الهوية الوطنية والولاء الشخصي والتبعية الخارجية وحالة الرعب والصمت بعد ان نهل السواد الاعظم من ثقافة عز الدين .

ومن تجارب التاريخ يروى ان عز الدين كان له أخ شبيه وأقدم ذات يوم على سرقة أحد التجار، وما أن لمحه التاجر حتى فر هارباً، ومن شدة الخوف والفجيعة "ضرط" على غرار ياروح مابعدك روح ، وأحدث رائحة صرعت التاجر وشلت انفاس المارة ، وبعد فترة رأى التاجر عز الدين وامسك به وذهب به الى الشرطة وعُرض على القاضي ، لكن عز الدين انكر واتهم أخيه وبعد ان مثُل الاخوين أمر القاضي بإن يأكل كل منهما عدداً من البيضات وشرب كؤوس من الماء وأنتظر القاضي النتيجة واذا بشقيق عز الدين يحدث صوتاً هادئاً ورائحة خفيفة، وماهي إلا دقائق واذا بعز الدين يطلق " ضرطة" أرض - ارض جعفرت بالقاعة ، وعندها امر القاضي بحبس عز الدين وقال قولته المشهورة " عز الدين أضرط من اخيه.

اليوم يتساءل المواطن اليمني والعربي كم من الملوك والامراء والرؤساء والقادة والوزراء والوكلاء والمشرفين ينهبون المواطن وثروات البلد.

وكم من القضاة والمحامين والمشايخ يتعمدون عدم البت في قضايا الناس وتعليقها عشرات السنين وحبس وابتزاز البسطاء والمظلومين ونخر وتدمير الدولة من الداخل ، وكم من عز الدين في عالم الفوضى.

ويمتد مسلسل عز الدين الاسواء الى بعض رجال الدين الذين أمتهنوا الافك والتضليل وتحولوا الى دراويش وسحرة وتجار حروب وآلهة لاغواء الناس مقابل فضلات الحكام ، وكم من التجار والفجار الذين مارسوا الرباء والاحتكار والغش ونقص الموازين دفعوا الناس الى الجوع والفوضى وعدم الاستقرار.

وتتواصل مسيرة عز الدين الى أطباء المستشفيات الحكومية التي أصبحت خاوية على عروشها من تقديم أي خدمة سوى تحويل الطبيب المناوب "المريض" الى عيادته الخاصة او الصيدلية والمختبرات والكشافات الصديقة مقابل حصوله على العمولة ، وتمتد سلطة عز الدين وريحته العفنة الى مستشفيات ودكاكين وعيادات خاصة تحولت الى غرف عناية لاحتجاز الجثث والمرضى وابتزاز اسر المرضى ومشرحة لتشليح جيوب المرضى حتى لوأقتضى الامر شط البطن وشق الصدر وفتحة في الرأس والترقيع حسب سياسة المُخرج لممارسة الابتزاز في غياب الضمير والرقابة والمهنية وهات كم ياضحايا ومعاقين واخطاء طبية وأموات في الثلاجات دون رحمة أو انسانية.

والتاريخ الحديث يكشف لنا أيضاً كم كان العسكري "بليداً للاذى فطناً ، كما قال الشاعر محمد محمود الزبيري ، وكيف تحول المشرف الى ابليس والمهندس الى غشاش وقاطع الطريق الى مسؤول واللص الى تحري والعميل الى قائد والمرتزق الى مناضل ، وكيف صار الصادق متهم والطهارة تهمة والوطني مشكوك في امره والشريف مطارد والموظف عالة والمرتب في المشمش والمعلم مهرج بعد ان فاقوا عز الدين في الضرط والحنحنة.

والمتابع اللبيب وصل الى قناعة تامة انه كلما صعدت أمة لعنة أختها وكانت أضرط من الاولى بمراحل في غياب القدوة والرؤية الوطنية الناضجة والمنهج التربوي والعلمي والثقافي الفريد ، وصار المفلسين أكثر مزايدة وانتهازية وتزويراً للتاريخ وما حق "أبن هادي" إلا واحدة من تلك المدرسة التي انتجت الكثير من الطامعين والنهابة والعقول العقيمة.

ويستمر مسلسل عز الدين بحلقاته التي ليس لها نهاية ، لنكتشف ان أول رئيس للجمهورية اليمنية المشير عبدالله السلال مجرد ان سافر في زيارة رسمية الى القاهرة حتى "برمة" القاضي عبدالرحمن الارياني بإنقلاب أبيض وإتصال تلفوني لطيف خليك في البيت "القاهرة" ، رغم وطنية ونزاهة ووفاء وبراءة ولطافة وأريحية السلال.

وتتواصل حلقات عز الدين ، ليقوم الرئيس ابراهيم الحمدي بإنقلاب أبيض على القاضي عبدالرحمن الارياني وتوديعه في مطار صنعاء بمراسم عسكرية لاخراجه من المشهد السياسي بكل سلاسة.

وتدور العواصف السياسية والاقدار ويصبح احمد الغشمي رئيساً لليمن بعد تصفيته الرئيس الحمدي بإشراف وحضور الملحق العسكري السعودي الهديان ومجموعة من المشايخ والقادة التابعين للرياض ، مؤكداً على ان عز الدين أضرط من أخية .

ويستمر مسلسل عز الدين المرعب وخلال شهور يتم اغتيال الغشمي عن طريق حقيبة دبلوماسية مع مبعوث أرسل خصيصاً من عدن الى صنعاء للانتقام بصورة بشعة يعكس حالة عز الدين .

وتأتي الاقدار بـ علي عبدالله صالح من تعز الى الرئاسة وعلى غرار انا علي صالح او ماعرفتونيش ، ليصبح رئيساً لليمن بعد تزكيته من قبل الشيخ عبدالله الاحمر وموافقة السعودية وأختيار مجلس الشعب له ،لكن صالح عَشق وداس بترول مواصلاً مسيرة الحكم طيلة 33 عاماً على نخس واحد واللعب مع كل القوى السياسية والحزبية، حتى قيل انه الراقص مع الثعابين لدهاءه السياسي وخبرته ومرونته ومجرد تفكيره في التنازل عن السلطة في 2006م أو طرح بالون لقياس درجة حرارة الشارع إلا ان كتيبة عز الدين من مراكز القوى العابثة والمنافقة خرجت تطالب بتصفير العداد ونغمة التوريث.

وعلى نغمة عز الدين أضرط من أخية ، تم التوافق على أختيار عبدربه منصور هادي رئيساً عملاً بالمبادرة الخليجية الملغمة ، بعد ان حلم اليمنيون بالعدالة والمساوة والتنمية والسلام ، ليكتشف العالم ان هادي أضرط من الجميع .

وتأتي الاقدار من جديد لتجرف حزب التجمع اليمني للاصلاح الذي كان الشريك الرئيسي لـ صالح والمستفيد الاكبر في الجاهلية والاسلام ليتبنى اسقاط الدولة ومؤسساتها واغتيال القيادات الامنية والعسكرية والسيطرة على الدولة لكنه يفشل في ادارة الدولة ويصبح مسجل خطر ويفر الى مارب ومكروة في صنعاء وعدن والحديدة وتعز ،،حتى صار أضرط من أخيه .

وتدور الدوائر ويصعد نجم الحوثيين وتفتح له الطرقات والمعسكرات ومخازن الاسلحة ويسقط عمران ويعلن هادي ان عمران رجعت الى أحضان الدولة ويتقدم الحوثيون الى صنعاء ويخوضون مبارة مصيرية مع الفرقة الاولى مدرع وتحسم المعركة خلال شوطين ويفر الجنرال علي محسن ويتحول الى حرم للسفير السعودي ويفر آلاف من مليشيات الاصلاح بعد أن ركضوا المائدة مثل بني اسرائيل فتاهو في الارض.

ويجمع السفير الامريكي والسعودي والمبعوث الدولي المنخنقة والمتردية والنطيحة من الفرقاء للتوقيع على اتفاق السلم والشراكة ويضع الحوثيون الرئيس هادي تحت الحراسة الجبرية ويفر الى السعودية وتبدأ مرحلة عاصفة الحزم ،، ورغم سيطرة الحوثيين على السلطة في صنعاء وتشكيل المجلس السياسي والحكومة والحديث عن الدولة ، إلا ان المواطن اليمني لم يلمس أبسط الخدمات من ماء وكهرباء وغاز ومرتبات وضبط أسعار وعدالة ومساواة أوحتى توفير كتاب مدرسي وغياب الدستور والقانون ، والتحول الى سلطات جباية للزكاة والجمارك والضرائب والمجهود الحربي والاستفادة من المنظمات الدولية والمتاجرة بالسوق السوداء، وتخوين كل من ينتقد الاخطاء والتجاوزات وكأن الحوثيون اليوم يعكسوا حالة المثل اليمني عز الدين أضرط من أخيه ، بينما لو استمعوا الى العقل والمنطق وحديث الشارع وقياس الرأي العام لصعقوا كم في القلوب من مواجع وكراهية وانتظار الفرص حتى ممن يسبحون بحمدهم ويصرخون معهم وقلوبهم ضدهم.

ومن نوادر العرب ، انه جرى حوار بين الفم وفتحت الشرج ، وأشتدت المعركة وكان لكل واحد منهم انصاره خارج أطار العقل والادب ، وأطلق الفم العديد من الكلمات والجمل والاصوات ، ولم يتوقف عند ذلك بل واصل مشوار الخرط والتضليل والتدليس والتعصب وقلب الحقائق والمشاريع الوهمية ، حتى ضرط الضيف المناظر له في احد الفضائية العربية وضحك الجميع.

وجاءت فرصة الضيف الآخر " الضراط" لمناقشة القضية والرد على " الخراط ، بقوله اسكت يا خراط حديثك بيزنطي وجدلك عقيم، لافرق بينك وبين الضراط ،مايدل على ان المثل اليمني لم يات من فراغ وان العصر الحديث هو عصر الخراطين والضراطين

أخيراً .. يقول الغرب .. الشعارات للمهرج والعمل للمنتج .. فهل نصدق مع الله ورسوله والوطن ونحول كل خطاباتنا وأقوالنا الى أفعال لتجديد الثقة والسمعة واحياء قيم التسامح والتعايش والسلام أم ان روح الانتقام ورائحة الدم والبارود والفيد ثقافة مغروسة ومرض سرطاني لايمكن تجاوزه إلا بالمزيد من الرعب والدماء .

حول الموقع

سام برس