سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
المشاهد و الأمكنة..و فنان هام باللون فمضى يحاوره باتجاه القول بالذات و الآخرين ..

الفن..هذا الدرب المفتوح على المغامرة..المحفوف بالدهشة و السحر حيث البهاء الطالع مع فتنة العناصر و الأشياء ..الفن تلك العناوين العالية القائلة بالابتكار نهجا و تلوينا و تقصدا وفق تلك الأصوات القادمة من الأعماق..أعماق الطفل..الطفل هنا هذا الفنان الذي تخير حكاياته من أزمنة حيث لا حلم و لا نظر بغير السمو نحو الجمال يمنح المشاهد و الأمكنة علوها الآخر ..

انها رحلة الفن تقترح جماليات التفاصيل ..تفاصيل الحياة التي جعل منها صاحبنا مراحل لاحتضان ولعه الفني الجمالي وفق تحولات و تطور ضمن وجدانه التشكيلي في عالم تنوعت متغيراته و أحداثه ليزداد يقينه رسوخا بمجالات الفن الملونة و دورها في نحت كيانه و تاصيل فكرته المبثوثة في لوحاته و القائلة بالرسم و التلوين و النظر العميق للعالم القريب و البعيد..انه نظر بعين القلب لا يطلب غير بهجة لا تضاهى في اثر العمل الفني..في اقتفاء أثر أسئلة البراءة الأولى..أسئلة الجمال و الابداع .

من هنا نمضي مع فناننا صاحب السنوات من التجربة ..صاحب الحلم الملون..و نعني الفنان التشكيلي نصر الدين العسالي.

هذه الأيام و الى غاية 31 مارس الجاري يتواصل معرضه الشخصي الذي افتتح يوم الاثنين 22 من الشهر الحالي و يضم 14 عملا فنيا منها "تركيب" و "طبيعة ميتة " و " حلم " و "المدينة المهجورة " و " المهاجرون " و " ميناء " و " مدينة " ...و هي بالزيتي على القماشة و منها تقنية مزدوجة ..لوحات فيها الكثير من حميمية العلاقة بين الفنان و محيطه و هو المعبر عن خلجات الأمكنة و الناس و المشاعر و الأحوال .
هو فنان كابد متقلبات الحيات و عاش مبتسما حالما هادئا ديدنه العطاء و هو المنحدر من حي تونسي عريق منحه الكثير من الرغبة و الاقدام و المضي قدما في عالم اللون الآسر .

منذ الصغر فتن العسالي بالمشاهد و سعى لرسمها حيث القدر الذي جعله تجاه الألوان ليشهر حبه اليانع و يبدو ذلك الطفل المغامر لتتعدد محاولاته ليصل الى رائق التلوين..هي لعبة الطفولة الباذخة التي قادته بشغف كبير الى الهواية..هواية الرسم و تلوين الفكرة و الذهاب بحب نحو المحاولات لاكتساب الخبرات اللازمة و نحت موقع في مشهد تشكيلي تونسي متنوع التجارب و متعدد التيارات و الاتجاهات الفنية التشكيلية.

بين المشاهد و الحالات تنوعت لوحاته بين تجريدية و انطباعية حالمة حيث الأمكنة و منها "السيدة "الحي الذي شهد فسحة أولى من حياته و الزهراء و كل ذلك في ضرب من الجمال حيث تبدو اللوحات حيزا من سيرة فنان هام باللون و مضى يحاوره باتجاه القول بالذات و الآخرين ..مشاهد العسالي ملونة بما يشبه حالات من شعرية اللحظة ..في تعبير باذخ عن عال النظر من فنان حالم تجاه الآخرين.. الناس و الأمكنة و الأحوال...

عن البدايات يقول صاحبنا الفنان العسالي "... منذ صغر سني كنت ميالا الى الرغبة في الاكتشاف و التعرف على الأشياء و معرفة كنهها ..الوالد كان مزوقا و دهانا و في مكان ما بالبيت عثرت على معدات الدهن التي بعمل بها و في سطح المنزل كنت أنظر للمواد متسائلا لماذا لا أرسم مثلا..كان ذلك و عمري تسع سنوات و صرت أرسم و ألون حيث القلم و تخطيطاته التي نمت في داخلي الرغبة و التعلق بالفن التشكيلي..و حين حصلت على شهادة "السيزيام" وجدت من بين ما أهدي الي علبة تلوين من الخارج ..

و من خلال الرسم و التلوين لعدة مرات مع المحو بالطلاسة لاحظت مرة ملامح ملونة لجبل بوقرنين و هذا كان محض صدفة و لاحظت أمي التي كانت تجيد اللغات ومنها الفرنسية و الألمانية قيمة ما لطخت بالألوان و قالت لي " زهيها..زيد لون آخر..و غير ذلك ..." الى أن بدت اللوحة في حالة جمالية مميزة معبرة عن مشهد جميل..و تكرر هذا الأمر بعناد شاب يحب الرسم و كانت ملاحظات أمي مهمة في كل هذا لأتمكن و بعد أسابيع من رسم لوحات بها طبيعة نقية و بيئة نظيفة وفق مشاهد جميلة...كنت أشتري الألوان المطحونة و أخلطها في وعاء بلوري و عملت هكذا في فترة منأسعد أيام عمري بين 12 و 20 سنة..أحببت الطبيعة و رسمتها ..و فعلا الرسم أثر في حياتي و دراستي كذلك ليلة امتحان الباكالوريا كنت الى حدود الفجر أرسم غير عابئ بامتحان مادة الرياضيات حيث نلت عددا مهما هو 19/20...الرسم حدد توجه حياتي و محيطي المهني ..في العمل هددت بالطرد مرات عديدة لاهتمامي بالرسم لتكون مصالحتي عندما أحالوني في عملي على مجال غرامي و هو الفن التشكيلي .

الرسم نصرني على واقع مرير و على العالم الآلي و الروتيني و أنصفني في حياتي ..حين بلغت 22سنة من عمري أقمت معرضي الأول ببهو محطة الأرتال بتونس ..و كانت مساهماتي الثقافية مع الفنانين أحمد معاوية و رمضان أولاد عيسى و الحبيب الشريف ونورالدين الرياحي ...و غيرهم و صرنا نعرض عديد المرات و في سنة 1983 كان معرضي الخاص بدار الثقافة ابن خلدون بادارة الشاعر و الاعلامي محمد المصمولي و نجح هذا الحدث الثقافي و تم اقتنا عمل فني لي من فبل اللجنة و قال عني المصمولي في برنامجه شارع الثقافة ".. رغم صغر سنه..أعماله كأعمال كبار الفنانين ..." و كانت الشهرة آنذاك لها ضريبة بين الأصدقاء...كانت تضحيتي لأجل عائلتي بالتوازي مع الممارسة الفنية ..ثم كان معرضي بدار الثقافة ابن رشيق سنة 1984 و اقتنت اللجنة برئاسة الفنان و الأكاديمي الحبيب بيدة عملا من أعمالي المعروضة و تطورت تجربتي مع المعارض الخاصة و الجماعية لتصل أعمالي الى خارج تونس و قد عملت على تكوين ذاتي فصرت أقتني الكتب المتصلة بالفن التشكيلي و طورت تجربتي ..و تعلمت الكثير...كنت أرسم و أبيع و ليست لي مشكل في تسويق أعمالي ..أحببت عالم الفن و الرسامين و كانت علاقاتي معهم انسانية ..الرسم كان عندي حب كبير لا يضاهى..الرسم عنوان الفنون و في مقدماتها ..الرسم لا يحتاج الى رجمة ..هو عابر للجغرافيا..الفن ينمي المجتمعات و يدعم اقتصادياتها و حياتها ..الرسم هو حلمي ...". هكذا غنى بالكلمات الفنان العسالي مبرزا صلته الوثقى بفن التلوين.

تجربة الفنان نصرالدين العسالي فيها الكثير من الشجن و الدأب و الحب و المعاناة..فيها حكاياته الأولى لحظات طفولة عابرة ليظل الطفل مقيما بداخله يتخير له الرسم و الألوان..و لون الحلم..و الأغنيات.

حول الموقع

سام برس