بقلم/ عائشة سلطان
هل تآكل القيم أمر حتمي؟ هل تفكك المفاهيم الصلبة التي قامت عليها المجتمعات والدول، وبالتالي التحرر من الحقائق والمقدسات، مرحلة حتمية في التطور الاجتماعي لحياة البشر والمجتمعات؟ إننا نشهد اليوم، وتحديداً في مجتمعات الرأسمالية العتيدة ومجتمعات الرفاهية وحتى المجتمعات الفقيرة، تراجعاً في منسوب القيم والأخلاق على مستوى العالم، أخلاقيات الدول والمجموعات البشرية والأفراد.

إن هذا التراجع يبدو جلياً في تآكل القيم الروحانية، وقيم العائلة والأسرة والعلاقات الإنسانية لصالح الماديات الفجة والبحتة، كما تراجعت الأفكار العظيمة التي قادت لمراحل التطور الكبرى في تاريخ البشرية.

إن هذا الذي نعيشه اليوم، ونتحدث عنه، ويؤسس لما يشبه المواجهة بين مختلف الأجيال في معظم المجتمعات، لم يهبط علينا من السماء، أو ظهر لنا في إحدى ألعاب الحظ، إن ما نعيشه هو إحدى مراحل التدهور في مسيرة الحضارة، تلك المسيرة التي تبدأ صعوداً وبقوة كما حصل في كل الحضارات والمجتمعات، عندما كانت الفكرة هي المحركة والمسيطرة، أما عندما تتراجع الفكرة، ومن ثم تغيب، فإن النتيجة الحتمية هي في ظهور الصنم، صنم الماديات، المصالح، الشهوات..

لقد تم بناء الحضارة الإنسانية وتأسيسها عبر رسالات سماوية وعلى يد فلاسفة ومفكرين وقادة رأي وإصلاحيين ورموز سياسية وحالمين وثوريين وغيرهم، وبغير ذلك لا يمكن أن تتأسس حضارة أو مجتمع.

فأين ذهب هؤلاء؟ هل لا تزال هذه الموجة الرومانسية مختبئة تحت جلد الأيام المقبلة؟ هل ستفاجئنا الأيام بأفكار تخرج الناس هاتفين لحرياتهم وأوطانهم وكراماتهم، أم إن كل هذه المفاهيم باتت جزءاً من ماضي الإنسان، أو إحدى مميزات مرحلة سابقة سماها بعض الفلاسفة بمرحلة الحداثة الصلبة، أي تلك السنوات التي شهدت انفجار الثورة الصناعية وتكوين المجتمعات الجماهيرية وظهور وسائل الإعلام الجماهيرية وما صاحبها من تكريس لمبادئ العمل والإتقان والتفكير النقدي وتأسيس المبادئ التي ستؤسس للكثير من المدارس الفكرية والأدبية والفنية وغيرها؟

حول الموقع

سام برس