بقلم/ عبدالله خالد الهاشمي
لقد خصّ الله عز وجل شهر رمضان وعظّمه وأعلى شأنه، وجعل ركن الصيام فيه، وإن حفظ القلب والجوارح في رمضان من أعلى المطالب وأولى الأولويات، تعظيماً للشهر وصوناً للصيام، وقد كان أبو ذر رضي الله عنه يقول: (إذا صُمتَ، فتَحَفّظْ ما استطعتَ) أي احفظ جوارحك من كل ما يثلم صومك وينقص أجره.

إنّ حفظ الجوارح - اليد واللسان - من الواجبات المؤكّدة في حال الصيام خاصة، وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ قال عليه الصلاة والسلام: إن الله عز وجل يقول: (كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به)، ثم بيّن عليه الصلاة والسلام: (والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابّه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم).

وفي رواية: (فلا يرفث، ولا يجهل).

قوله عليه الصلاة والسلام: (الصيام جُنّة): أي ستر ووقاء، فهو ستر ووقاء من الآثام، ومن النار، فهو إمساك عن الشهوات، والنار محفوفة بها، فكان كفّ النفس عن الشهوات في الدنيا وقاء له في الآخرة.

(الرفث) هو الكلام الفاحش. و(الجهل) هو خلاف الحكمة والصواب قولاً أو فعلاً من الصياح (الصخب أو السخب) والسَفَه. قال النووي: (واعلم أن نهي الصائم عن الرفث والجهل والمخاصمة والمشاتمة ليس مختصاً به، بل كل أحد مثله في أصل النهي عن ذلك، لكن الصائم آكد).

وقال صلى الله عليه وسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه». فـ(رُبّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر)، كما أخبر صلى الله عليه وسلم.

يقول ابن رجب: (وسرّ هذا: أن التقرب إلى الله تعالى بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله تعالى بترك المباحات كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل وإن كان صومه مجزئاً)، ثم قال: (ولهذا المعنى -والله أعلم- ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل، فإن تحريم هذا عام في كل زمان ومكان، بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه، فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل، فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات).

وكان الصحابة رضي الله عنهم يوصون بما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن عمر وعلي رضي الله عنهما، قولهما: (ليس الصيام من الطعام والشراب وحده، ولكنه من الكذب، والباطل، واللغو، والحلف).



* باحث أول في إدارة البحوث بدائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي

نقلاً عن البيان

حول الموقع

سام برس