بقلم/ احمد الشاوش
افلست الثورات العربية على مستوى الاحزاب والجماعات والتنظيمات الفكرية والسياسية والايدلوجية بعد ان تحولت ثوراتها الى وهم ، وانقلاباتها الى باطل ، ومشاريعها الى فوضى وأهدافها الى بزنس ، وصارت الثورة في الذاكرة السياسية و الشعبية اليمنية " مجرد نعثة" والانقلابات يوم أسود في التاريخ بما تشكله من قلق ورعب ودمار وصداع دائم للشعب اليمني الذي يعاني من الشقيقة واخواتها وثورات الوهم التي حولت حياته الى جحيم ، بعد ان كان يحلم بالوضع الافضل.

والمشهد الذي لاغبار فيه ان العمل الثوري بعد ان سيطرت كل جماعة وفصيل على كل نقطة ومدينة وقرية وجبل ووادي وسهل وشارع وسوق ودكان ينطبق عليه قوله تعالى :

" فَقَالُواْ رَبَّنَا بَٰعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَٰهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَٰهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ " سورة سبأ آية 19

وصارت الانقلابات والثورات والمظاهرات والاحتجاجات أشبه بسلسال الدم والثائر هائجاً بحاجة الى طبيب نفسي ومتخصص للترويض حتى يعود الثائر الناقم الذي تم حقنه بجرعات العنف وتعبئته بخطابات الكراهية وتحاميل التحريض الذي حولته من انسان وديع وأليف الى وحش مفترس بحاجة الى العودة الى طبيعته بعيداً عن الانتقام والفجور والحقد والدماء والدمار والعبث والافساد في الارض.

واذا كانت الثورات الناضجة الهدف الرئيس منها هو أحداث التغيير الايجابي وتحرير الانسان من الجهل والفقر والجوع والمرض وتقديم الخدمات وتحقيق المساواة والعدالة والمضي في عجلة التنمية والبناء والاعمار والازدهار واسعاد الشعب وكسب حبه وثقته واحترامه ، فأن الثورات اليمنية الحديثة من أول قارح وثاني طلقة وثالث معبر ورابع مدفعية وهبة عسكور وقبيلي متلقلق يبحث عن الفيد والسلطة والثروة تحت بطش نيران البندقية وميكرفون الثورة وضجيج الخطابات الاستهلاكية والشعارت البراقة وسياسة التهريج وصانعي الحكايات ومؤلفي القصص والاساطير ، لم تحقق الاهداف الانسانية النبيلة والمرجوة في نظر الشعب وانما الفشل والسقوط المدوي والتعري الفاضح .

الثورة الحقيقية هي ثورة الاخلاق والقيم والمبادئ الانسانية التي تغير الفرد والاسرة والمجتمع من الوضع الاسوأ الى الوضع الافضل ، والتي تنقله من الجهل الى العلم ، ومن الفقر الى الرخاء ، ومن الجوع الى الشباع ، ومن المرض الى الصحة ، ومن السكون الى الحركة والترفية ، ليعيش سعيداً ومستور الحال واكثر وطنية ، وليس الى العبودية وسياسة الافقار وسيناريو التجويع ومصادرة المرتبات بصورة مبرمجة ، حتى يخرج اليمني كفقير اليهود" لادنيا ولا آخره".

والشيء الملفت للقاصي والداني اليوم في كل المدن اليمنية بدءاً من صنعاء الى آخر محافظة وزاوية يمنية كيف تحول الجمهوريون والسبتمبريون والملكيون والثوار والانقلابيون والوطنيون والحزبيون ورجال الدين والمشايخ والقادة مليونيرات في ضربة حظ وكيف تحولت المحافظات اليمنية الى دكاكين للصرافة والشركات والتجارة والاستثمار في النفط والغاز والاراض والعقارات والعمارات والابراج بأموال الدولة ومرتبات موظفي الدولة وايرادات الدولة والمال الحرام المرسل من ماوراء الحدود الذي يؤكد اتفاق القوى العابثة على تقسيم وتجزئة اليمن والوحدة الوطنية.

المواطن اليمني شبع انقلابات وثورات ونعثات وصراعات واشتباكات وحروب ودماء ودمار وخراب بيوت وخطابات وشعارات ومواعظ ومزايدة ونفاق ومجاملات وتقديس أصنام وتماثيل وأولياء وفاسدين ، بقدر ماهو في امس الحاجة الى الصدق والامانة والشفافية والعدالة والمساواة والتسامح والتعايش والآمن والاستقرار والبناء والتنمية والاعمار والازدهار والغد المشرق ، بعيداً عن نغمات الجمهورية والملكية والايدلوجيات القاتلة وايقاعات الوطنية والقومية وتقديس المدنس وتدنيس المقدس والتحول من مبادئ الثورة الى جمع الثروة.

المواطن اليمني اليوم بعد ان تعرت كل القوى المغلفة بالكلام المعسول والمستقوية بأموال وسلاح الخارج والداخل وشعارات الوهم ورعب تجار الحروب ، لايريد منظرين ولا سحرة ولا منجمين وضاربي الودع ولا مشعوثين ودجالين وقارئة الفنجان ولا شياطين السياسية ومداليز الثورة والانقلابيين وشرعية مطيرفي الفنادق وحكام الواقع الافتراضي ، وانما بحاجة ماسة الى رجال دولة تتجسد فيهم خصال التحرر والاستقلال والصدق والامانة والشجاعة والحكمة والعقل والفراسة والتواضع والشدة .

والحقيقة ان المواطن اليمني اليوم ينظر الى جميع القوى السياسية والعسكرية والدبلوماسية ومشايخ القبائل والمذاهب واعشار المثقفين ودكاكين الاحزاب وتجار الحروب في الشمال والجنوب والشرق والغرب من منظار العمالة ، ونظارة الارتزاق وميكرسكوب التبعية ، ومقولة "خدام خدام الجرافي..." ، بعد ان أرتمى كل طرف في احضان السعودية والامارات وقطر وتركيا وايران وامريكا وبريطانيا وأصبح برتبة شاقي واجير وعامل باليومية في تخريب وطنه وتدمير شعبه .

والعجيب ان كل ثائر يدعي الوطنية والشرف والنزاهة والتحرر وهو تابع والاغرب من ذلك ان كل مسؤول وخائن الا ماندر ينتقد ويتهم نفس البضاعة والسلعة والماركة الفاسدة ، بأنه يمثل الدولة والوطن والمواطن والدين والحسابة بتحسب على مدار الساعة.

أخيراً .. اختم هذه المقالة بقصيدة شاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني رحمة الله عليه ، الذي جسد ملحمة الخيانة والعمالة والارتزاق والتبعية حتى النخاع منذ الازل وحتى اليوم ... لا أقول في صنعاء فقط ، وانما في صنعاء وعدن وتعز والحديدة ومارب وحضرموت والضالع وابين وكل اصقاع اليمن بعد ان رضع الكثير من حليب وثقافة الفيد وكؤوس الخيانة وأكواب الغدر عبر التاريخ بأستثناء بعض شرفاء اليمن الذين يدفعون ضريبة باهظة لمواقفهم الشجاعة والصادقة رغم المغريات والتهديد والوعيد.

قصيدة “الغزو من الداخل :

فظيع جهل ما يجري وأفظع منة أن تدري
وهل تدرين يا صنعا من المستعمر السري
غزاة لا أشاهدهم وسيف الغزو في صدري
فقد يأتون تبغاً في سجائر لونها يغري
وفي صدقات وحشي يؤنسن وجهة الصخري
وفي أهداب أنثى في مناديل الهوى القهري
وفي سروال أستاذ وتحت عمامة المقري
وفي أقراص منع الحمل في أنبوبة الحبر
وفي حرية الغثيان في عبثية العمر
وفي عود احتلال الأمس في تشكيلة العصري
وفي قنينة الويسكي وفي قارورة العطر
ويستخفون في جلدي وينسلون من شعري
وفوق وجوههم وجهي وتحت خيالهم ظهري
غزاة اليوم كالطاعون يخفي وهو يستشري
يحجر مولد الآتي يوشي الحاضر المزري
فظيع جهل ما يجري وأفظع منة أن تدري

يمانيون في المنفى ومنفيون في اليمن
جنوبيون في (صنعاء) شماليون في (عدن)
وكالأعمام والأخوال في الإصرار والوهن
خطى (أكتوبر) انقلبت حزيرانية الكفن
ترقى العار من بيع إلى بيع بلا ثمن
ومن مستعمر غاز إلى مستعمر وطني
لماذا نحن يا مربى ويا منفى بلا سكن
بلا حلم بلا ذكرى بلا سلوى بلا حزن؟
يمانيون يا (أروى) ويا (سيف بن ذي يزن)
ولكنا برغمكما بلا يمن بلا يمن
بلا ماضِ بلا آت ٍ بلا سر بلا علن

أمير النفط نحن يداك نحن أحد أنيابك
ونحن القادة الغطسى إلى فضلات أكوابك
ومسؤولون في (صنعا) وفراشون في بابك

حول الموقع

سام برس