بقلم/ حسين الرواشدة
دفعنا ، على مدى العقود الماضية ، وما نزال ، أثمانا باهظة ، جراء موجات كبيرة ومتتالية من اللاجئين الذين فتحنا لهم أبوابنا ، صحيح كان ذلك في صميم واجبنا الوطني والإنساني ، أو في سياق فواتير تاريخية اقتضى تسديدها ، لكن ما حدث في غزة ، وما يمكن أن ينتقل للضفة الفلسطينية،على صعيد الترانسفير والانتقال والتهجير ، في سياق ما يفكر به الكيان الصهيوني لتصفية الوجود الفلسطيني في أرضه، يجب أن يفتح عيوننا على هذا الخطر الذي يهدد أمننا ومصالحنا، فنقف ضده ونواجهه بكل ما نملك من خيارات.

كما يستدعي أن نبدأ باستدارات سياسية وتنموية ، تحمي الاردنيين وهويتهم، وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي ، من آثار «اللجوء» القائم وتداعياته.

أخطر ما يثيره «اللجوء « من هواجس لدى الأردنيين هو تشكل كتل ديموغرافية ، ذات طابع اجتماعي ولاحقا سياسي ، تحمل مشروعها الخاص، وتتقمص أدوارا خارج حدود المصالح الأردنية، أقصد أن يكون لها «قضيتها» التي تتحرك للدفاع عنها في لحظة أزمة، والأخطر أن تتحول هذه القضية من ملف سياسي أو اقتصادي إلى ملف أمني، يزعزع تماسك الجبهة الداخلية الأردنية، ويمنح الآخرين فرصة لتصدير أزماتهم إلى بلدنا.

للتذكير فقط ، يعيش في الأردن ، الآن ، أكثر من 3.788 مليون لاجئ ، يحملون 53 جنسية ،أغلبيتهم من الفلسطينيين والسوريين ، حيث إن واحدا من بين كل ثلاثة من سكان الأردن لاجئ ،ويحتل الأردن المرتبة الثانية في العالم ،من حيث نسبة عدد اللاجئين مقارنة مع عدد السكان.

يبادل الأردنيون ضيوفهم المقيمين واللاجئين التحية بأفضل منها، ولم تتولد داخلهم أية نزعات عنصرية ضدهم ، ولا أي رغبات بالإقصاء ، كما لم تراودهم ، فيما مضى ، هواجس الخوف على هويتهم من هذه التعددية ، وقد اعتبروها مصدر غنى وإثراء ، لكن ، للإنصاف ، ظل الأردنيون ، وما زالوا، مشغولين بفكرتين ، فكرة التاريخ الأردني المكتوب ، أو الذي لم يكتب بعد ، وفكرة الذاكرة الجمعية التي تحتاج لمزيد من التحرير.

في سياق معادلة مخاطر «اللجوء» على بناء الجبهة الداخلية والحفاظ على مصالح الدولة وهويتها ، يتخوف الأردنيون من أجندتين ،الأولى : أجندة الدمج أو الخلط بين السكان والمواطنين ، للإشارة بأن السكان أصبحوا هم الشعب الواحد ، وبالتالي فإن توطينهم صار أمرا واجبا

، الثانية : أجندة «المكونات» التي توحي أن الشعب ينقسم إلى مكونات ، لكل منها حصته وميدان حركته ونفوذه.

الأجندتان تهزان مبدأ الهوية الأردنية التي يفترض (لا بل يجب) ألّا تخضع للإضافات او التوزيعات ، كما أنهما تثيران هواجس الأردنيين من استحقاقات المرحلة القادمة ،خاصة على جبهة القضية الفلسطينية التي تمر بأسوأ منعطفاتها التاريخية.

من صفحة الكاتب على منصة اكس

حول الموقع

سام برس