بقلم/ غسان يوسف
يبدو أن قناعة أنقرة بالتقارب مع دمشق قد زادت بعد وقوع الزلزال وتثبيت موعد الانتخابات النيابية والرئاسية التركية وأن اجتماعات استخباراتية غير معلنة تجري بين الجانبين ستتمخض عنها نتائج قريبة من خلال العمل على نقاط عدة أولها: الاتفاق على هُدنة انسانية تتضمن تثبيت وقف إطلاق النار، وإعادة فتح المعابر الداخلية، أما المعابر الخارجية فإن الدولة السورية ستوافق على فتح معبري باب السلامة والراعي شرط أن يكونا تحت إشرافها، كما ستُقدم تركيا على إعادة افتتاح معبر كسب لدخول المساعدات الأممية نحو الساحل السوري، وهنا يمكن القول إنه لا خاسر في هذه الترتيبات الجديدة التي تقول مصادر مطلعة بأنها تُطبخ على نار روسية هادئة وبمباركة إيرانية.
أما النقطة الثانية التي تعمل عليها الأطراف الأربعة فهي: إضعاف "قسد" تدريجيا من دون عملية عسكرية وإبعادُها عن التسوية السياسية، وربما هو ما دفع رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي لزيارة شمال شرق سوريا وطمأنة قيادات "قسد" بالتأكيد على المخطط الأميركي في تقسيم سوريا، أو إقامة حكم ذاتي في تلك المنطقة على غرار " كردستان العراق" وهو ما استنكرته الخارجية السورية واعتبرته انتهاكا صارخا للقانون الدولي.
والسؤال الآن: هل سنشهد لقاءات على مستوى وزيري الخارجية، بعد أن شهدنا لقاء بين وزيري دفاع البلدين برعاية روسية في 28 ديسمبر 2022؟ وهل ستتوج اللقاءات بلقاء يجمع الرئيسين بشار الأسد ورجب طيب إردوغان في موسكو قريبا، على الرغم من استبعاد شاغري أورهان عضو لجنة الأمن والسياسات الخارجية بالرئاسة التركية في حديث لوكالة سبوتنيك الروسية أي لقاء بين الرئيسين قبل الانتخابات المقررة في 14 مايو 2023؟
من المعروف أن الموقف السوري بقي متردداً تجاه التقارب مع تركيا لسببين الأول: أن القيادة السورية لا تثق بشخص الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ولها تجرِبة مريرة معه بعد اندلاع الأزمة في العام 2011 وهي لم توافق على بدء المحادثات إلا بعد ضمانات روسية والتأكيد على ثابتين أساسيين هما: انسحاب الاحتلال التركي من أراضيها وإنهاء الإرهاب، وهذان الأمران قد يشهدان الكثير من المماطلة التركية وربما يؤديان إلى فشل المحادثات، فأنقرة تريد أن تشرعن احتلالها لمناطق معينة وإقامة ما تقول إنه "منطقة آمنة" بموافقة سورية وهو ما لن تقبل به دمشق.
الثاني: دمشق تعتقد أن إردوغان يحاول أن يستخدم التقارب معها كورقة انتخابية يطمئن بها الشارع التركي، من أن موضوع اللاجئين السوريين في تركيا سيُحل بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة في حال فوزه فيها، أما دمشق فكانت تعتقد أن نجاح المعارضة في الانتخابات ربما سيحل كل المسائل العالقة بين البلدين بعد الرسالة التي أرسلتها المعارضة في العشرين من شهر ديسمبر 2022، وأعلنت من خلالها أنها ستقوم بالانسحاب من سوريا وإعادة اللاجئين السوريين ودفع تعويضات للدولة السورية.
لكن نجاح المعارضة بالنسبة لدمشق غير مضمون النتائج ولا سيما بعد خروج حزب الخير من الطاولة السداسية وإعلان رئيسته ميرال أكشنار وقوفها ضد ترشيح كمال كليشدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري ورئيس أكبر أحزاب المعارضة، ما أضعف المعارضة أمام خصمها العتيد الرئيس إردوغان، إضافة إلى أن المعارضة تلتزم الخط الغربي في سياستها أي أنها ربما ترضخ للتعاون مع قسد وتغض النظر عن بناء كيان انفصالي في شمال شرق سوريا على عكس إردوغان الذي أعلن الحرب على "قسد" أكثر من مرة.
ثمة قناعةٌ جديدةٌ لدى الجميع على المستويين الإقليمي والدولي بضرورة تسريع وتيرة النقاشات في التعامل مع الملف السوري والوصول إلى حل سياسي يُرضي أغلب الأطراف، وهذا بدوره يتطلب من أنقرة البحث ضمن المعارضة السورية "المقيمة على أراضيها" عن فريق معتدل بعيد عن فكر الإخوان المسلمين "المتطرف" يفاوض الحكومة السورية ويعمل معها على تطبيق القرار 2254 حسب الفهم الروسي التركي المشترك وليس الأميركي الغربي، ويرى البعض أن هذه النقطة لن تكون صعبة لأن سياسة أنقرة مع المعارضة السورية "نفذ ولا تعترض".
قد يكون التحرك العربي تجاه دمشق الذي حركه الزلزال مصدر ارتياح لدى أنقرة التي استقبلت وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد زيارته إلى دمشق في 27 فبراير الماضي، وهنا لا يمكن إغفال دور مصر في توقيع اتفاقية أضنة عام 1998 بين كل من سوريا وتركيا، بعد إبداء أنقرة انزعاجها أكثر من مرة من البيانات العربية المتتالية التي تتحدث عن تدخلات إقليمية في الشأن السوري، وآخرُها البيان المشترك السعودي المصري الصادر في 13 من شهر يناير 2023 في العاصمة السعودية الرياض والذي أكد من خلاله الطرفان أن مصر والسعودية ترفضان أي عمليات عسكرية جديدة تمس الأراضي السورية.
ومن هنا يمكن القول: إن شهر مارس قد يكون شهرَ النضج في التفاهمات التركية السورية التي لم تتوقف رغم الزلازل والكوارث التي لحقت بالبلدين، وبعد أن اقتنعت أنقرة أن سوء علاقتها مع دمشق منعها من تنفيذ الكثير من المشاريع الاقتصادية والسياسية في الإقليم.
نقلاً عن المشهد