بقلم/ محمود كامل الكومي
ما زال الشعب السوري ، بعد أكثر من عقد من النزف ، يدفع ثمن حلمه بالحرية والوحدة والكرامة ، لكن من يدفعه هذه المرة ليس فقط الغزاة أو التدخلات الخارجية ، بل أولئك الذين لبسوا رداء "الثورة" ليغتالوا جوهرها.
وفي قلب هذا المشهد المأسوي تقف جماعة "هيئة تحرير الشام" بقيادة أبو محمد الجولاني، كمثال حي على كيف يمكن أن تتحول الجماعات المسلحة إلى أدوات عنف طائفي تقوض أي أمل في التعايش الوطني.
فمنذ سنوات ، تمارس هذه الجماعة شكلاً من أشدّ أنواع الإرهاب قسوة ، لا يستهدف فقط جنودًا أو خصومًا مسلحين ، بل المدنيين ، الأبرياء ، أولئك الذين لا يحملون سوى انتمائهم الديني أو المذهبي المختلف ، أو حتى مجرد لهجتهم ولهجة مناطقهم.

إن القتل على الهوية، الذي يُفترض أنه من مخلفات الحروب الطائفية البائدة ، عاد ليتخذ شكلاً فجًا ووحشيًا في مناطق سيطرة الجولاني ، حيث يُذبح السوري على اسمه ، أو يُشنق على طريقته في الصلاة.

وقد بلغ هذا الإرهاب ذروته _وبعد سيطرة هيئة تحرير الشام وتنصيب الشرع رئيسا مؤقتا لسورية_ في الهجمات الأخيرة على أهل الساحل السوري، وتحديدًا في ريف اللاذقية، حيث تسللت عناصر مسلحة تابعة للجولاني إلى بعض القرى الهادئة، فاستباحت البيوت، وارتكبت المجازر بحق المدنيين، رجالًا ونساءً وأطفالًا، لا لشيء سوى أنهم من طائفةٍ أو منطقةٍ تُصنَّف لديهم كـ"عدو". لم يكن في تلك الهجمات هدف عسكري، ولا مشروع تحرير، بل فقط رغبة محمومة في إذكاء نار الفتنة، وتكريس منطق الكراهية والدم.

لكن المأساة الكبرى، التي هزّت الضمير السوري – إن كان لا يزال حيًا – كانت الاعتداء الهمجي على الشيخ الدكتور بدر الدين حسون، مفتي الجمهورية العربية السورية السابق، رجل الدين الذي لطالما نادى بالتسامح بين المذاهب، وجعل من المنابر منصة للوحدة، لا للتفرقة. لقد جرى اختطاف الشيخ من قبل مسلحين تابعين للجولاني، وتعرض لصنوف من التعذيب والضرب المبرح، ليُعلن عن وفاته لاحقًا تحت التعذيب، في جريمة يهتز لها جبين الإنسانية. لم يكن الشيخ يحمل سلاحًا، ولا دعا إلى القتال، بل كان يدعو إلى الحوار والمصالحة، ما جعل منه هدفًا مباشرًا لتلك الجماعات التي ترى في الكلمة الحرة عدوًا أشد من الرصاص.
إن ما يجري ليس مجرد صراع سياسي أو طائفي، بل هو مشروع تدمير ممنهج للنسيج السوري. مشروع تقوده قوى الظلام، وتستفيد منه قوى خارجية تسعى لإبقاء سوريا ساحة صراع لا تنتهي. ومن المؤلم أن بعض وسائل الإعلام تتعامى عن هذه الجرائم، أو تتواطأ معها بالصمت ، متناسية أن من يذبح اليوم طفلًا في اللاذقية ، سيذبح غدًا طفلًا في إدلب أو درعا أو دمشق.

لقد آن الأوان للعالم أن يسمع صوت الضحايا، لا صوت القتلة، وأن يُدرك الجميع أن الإرهاب لا مذهب له، وأن سوريا التي قاومت أعتى الإمبراطوريات ، قادرة على النهوض من تحت الركام ، شرط أن يتحد أبناؤها ضد هذا الإرهاب الأسود ، لا أن يُقسموا دماءهم على مقاس الطوائف والمناطق.
بقلم/ محمود كامل الكومي
*كاتب ومحامي مصري

حول الموقع

سام برس