سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
تجربة تقول الكثير من حيث الجدية و المغامرة بعبارات مشحونة بالنور و التفاصيل و الأحاسيس..
لوحات معروضة من عناوينها "السداية" و"تحية الى نجيب بلخوجة" و"صمود و شموخ المدينة" ..

افتتح عشية السبت 22 ماي الجاري المعرض الخاص للفنان التشكيلي محمد المالكي ضمن عنوان " تأملات جمالية تشكيلية زمن الجائحة " و ضم 11 عملا فنيا بأحجام كبير و متوسطة و في تلوينات فنية متعددة عرف بها محمد المالكي منذ فترة و هو الذي يعد لسلسلة معارض خاصة واصدار كتاب فني عن مسيرته و تجربته الفنية ضمن مشروع بدعم من وزارة الثقافة ..و قد تابع الافتتاح لهذا المعرض عدد من الفنانين منهم بالخصوص الفنان حمدة دنيدن و الفنانة سعيدة الدريدي ...وعدد من تلاميذ الرسام المالكي و بعض أحباء الفنون الجميلة و يتواصل المعرض الى غاية يوم 3 جوان المقبل .

من عناوين اللوحات المعروضة نجد " السداية " و " تحية الى نجيب بلخوجة " و " صمود و شموخ المدينة " ...و في هذا المعرض يبرز المالكي مرة أخرى جدية تعاطيه الفني وفق جمالية تذهب الى مساحات الأعمال بكثير من ألق اللون و حميمية الفكرة و حضور الاحساس و من ذلك تجليات المدينة كما رآها المالكي في تعبيرات ملونة و مفتوحة على الجمال و التأويل.. كما حضرت تفاعلات محمد المالكي مع الأحوال زمن الجائحة من خلال الأمل و التفاؤل و الوعي بدور الفن و التلوين للقول بالتجاوز و التجدد و المواصلة.


تجربة الفنان محمد المالكي تقول الكثير من حيث الجدية و المغامرة حيث يلمس الناظر تجاه أعماله تلك العبارات المشحونة بالنور و التفاصيل و الأحاسيس..و هكذا ...و من خلال نظرة مدروسة تجاه مسيرة الفنان محمد المالكي منذ أربعة عقود نقول مثلا "...كيف يمكن للفكرة أن تنحت لونها المتشظي في الألوان ..و هل يمكن للكينونة البوح بمعادن أحوالها دون نشيد.. ثم كيف للذات الحالمة أن تنتشي بدواخلها لتصير اللوحة حالة من ترجمان المعاني الكامنة...هكذا تكون الرحلة حيزا من عذابات السؤال الفني و الجمالي بحثا عن خصوصية ما ..و هكذا أيضا تجتمع الأسئلة ضمن صياغة متأنية للسؤال الكبير و هو سؤال الهوية الفنية..من هنا تأخذنا الرغبة طوعا و كرها الى عوالم فنان تقصد الرسم كعنوان قادم من العلاقة الأولى بين الأنامل و الجلود ضمن مسار سنوات مع الحرفة ..و الحرفة هنا كانت التعلة و المجال المحيل على التعاطي مع الألوان لتكون اللوحة بالنهاية مجالا أوسع للقول ببلاغة الحرف في حياة الناس..الناس الذين يستبطنون ضربا من الحنين تجاه الجمال المعتق في تنويعاته و مظاهره ..هذا الذي ينسبه البعض الى .. بل يسميه ...التراث.محمد المالكي هذا الفنان الذي جاء من مدن الشمال التونسي و تمرس بالحرف و سافر ضمنها مبكرا الى فرنسا و ايطاليا و اسبانيا حيث التربصات و امتلاك الخبرات..في التصاميم و النماذج و الديكور...الى جانب فنون الموضة..قاده هذا النهج منذ السبعينات الى واحة اللوحة و ظلال الألوان فغدا شابا عاشقا لفنون التشكيل و عوالم الألوان..باحساسه المرهف تجاه الأرض و ألوانها الملائمة تخير الفنان محمد المالكي ضربا من العلاقة الحميمة معها في تنويع تشكيلي ينهل من التراث باعتباره كونا من الخصوصية و الملامح و التواريخ..مسيرة فنية متعددة التلوينات من الهوية الى التراث الى المدينة لتتواصل المغامرة في بحثها عن الذات في اشتغالاتها و أسئلتها الالمقترحة...تبرز أعمال الفنان محمد المالكيفي مرحاة منها بمراوحاتها الجمالية التي تقول بالتراث و الخصوصية المحلية من حيث اللباس و الحلي و الخلال و الزخرفة و العلامات الدالة في المنسوجات وكلها تجمع بين توق الفنان الى الاصداح بحيز من المخزون كمحصلة وجدانية و ثقافية و احداث المتعة الفنية البصرية لدى المتقبل المتجول في تفاصيل اللوحات الذي يجد اشياء من أرضه و بالأحرى بلده تونس.. و سبق للفنان المالكي تقديم العديد من لوحاته في معارض مختلفة فردية و جماعية بمواضبع و ثيمات شتى بشأن التّراث والطّبيعة والمجتمع وخصائص تونسية من خلال تاريخها وتراثها ومناسباتها وتقاليدها.. و تتعدد اللوحات لتذهب الى ذات العنوان و هو الوجدان التراثي..كما نجد عملا على سبيل استذكار تجربة لفنان كبير هو عم الهادي التركي رحمه الله حيث كانت اللوحة ضمن عوالم تجربة التركي من حيث الألوان و الخطوط و الخصوصية..
ان محمد المالكي بهذا التخير الفني .. يبرز مكانة التراث في تجربته التي يقول عنها "...هي ثمرة هذا السفر الذي قادني الى الينابيع ..الى ذاتي و من ذلك هذه الافادة الكبيرة من الخبرات الفنية التي جعلتني أنتبه للفن و دوره الاجتماعي و الثقافي...".هناك لوحة أخرى تشير الى المقاومة الفلسطينية و عبر الكولاج تسع مساحتها الشاب الفلسطيني الذي يقاوم بالحجارة وهو يحمل العلم الفلسطيني..و هنا مجال حميمية بين الفنان و انتمائه الوجدان لتظل فلسطين في القلب.. و غيرها من لوحات أخرى بتقنيات مزدوجة تبرز جانبا مهما من مسيرة فنان عانق اللون و سافر مبكرا بحثا عن القيمة..و الكيان..و الفن في حيز منه هو ذاك التأصيل للكيان و نحت الحلم..المكان..لنعني المدينة و أحوالها الملونة بأحاسيس الفنان و نظراته الحالمة ..ماذا لوصارت المدينة ملاذا للحلم و القول بالدواخل و هي تلهج بالصور التي هي بمثابة التفاصيل ..نعم المدينة كون حلم و دهشة و تفاصيل حيث الفنان يصغي للايقاع الذي يحب بكثير من شهقات اللون و الموسيقى الذافئة..

مرة أخرى يشير الفنان محمد المالكي في عمله المنجز ضمن مرحلة جديدة الى هيامه بالمدينة التي جعل لها غمامة حلم ملونة هي قوس قزح لينعم الأطفال بالنشيد و بالغناء..و في هذا الحيز لم يقطع الفنان صلته بالتلوين فبعد الأعمال كبيرة الأحجام منها سيدي بوسعيد...و غيرها ..يأتي عمل المدينة بقوس قزح في جمالية عرف بها في لوحاته و بتقنية مزدوجة يمنح الناظر شيئا من المجال ليرى ما تقترحه الألوان من ممكنات الحلم في مدينة لا يمكن الا أن يسعد الكائن فيها .. هي تونس أغنية القلب..عمل جميل فيه فسحة مريحة من بستان اللون و متعة و سحر بعيدا عن تعقيد الراهن و ضجيجه و قولا بالعميق و الأجمل في الحلم الجغرافي لتونس..نظرة للفنان المالكي تجاه الأنا الموزعة في جغرافيا الحنين.و في سياق مواصلة التجربة التشكيلية والفنية مثلت هذه المرحلة طورا آخر من تجربة المالكي وفق أعمال منها لوحات «عرس في سيدي بوسعيد» و«تسونامي» و«عين دراهم» و«سيدي بوسعيد المدينة الزرقاء» و«الطبال والزكار والكرسي» و«العاصفة».. وغيرها.و هذه الأعمال الجديدة مثلت تجربة مغايرة في مسار أعمال المالكي من حيث الروح التجريدية والمتعة البصرية والمسحة الجمالية للعمل على غرار «تسونامي» و«سيدي بوسعيد»...وهنا نكتشف الممكنات الجمالية الجديدة للمالكي كفنان اهتم بتيمات التراث والخصوصية التونسية والجانب التقليدي في مظاهر الحياة التونسية ليعانق الأمكنة و المدينة منها كحالة جمالية و كما تخيلها شكلا و لونا و أسلوبا.. في تلوين الفنّان محمد المالكي مجال جديد متجدد..مفتوح على اعتمالات الكائن و هو يشهد حالاته بشتى تلويناتها حالما متطلعا متشائلا منكسرا... و ما الى ذلك من عناوين دأبه في عالم متغير..

لم تغب الفكرة الجمالية للفنان محمد المالكي بتقنياتها و رؤيتها عن لحظتها التاريخية ليقدم لنا في سياق تجربته مع الأحجام الكبيرة عملا فنيا مميزا عنوانه (
LE TEMPS CORONA 2021*DOULEURS ET ESPOIRS ... زمن الكورونا ...الألم والأمل ) ليشير بتخيره اللوني و التقني الى فداحة الألم المفعمة بالأمل في زمن الجائحة و ما أضفته على الانسانية من ظروف استثنائية و حيرة و خوف و انهيارات اقتصادية و احباط...انها لعبة الفن النبيلة تجاه الكائن و الكون حيث لا مجال لغير الجمال قولا بالحلم و الفرح و الأمل..انها كذلك فكرة الألوان و هي تعالج ما تداعى في الانسان ترمم ما انهار من جدار الروح تنشد الخلاص و تمدح براءة الأفعال ..هي فسحة غناء عذب في ليل الانسان تقول بالنور و الخلاص ..."..

محمد المالكي قي معرضه هذا و كذلك في تجربته الفنية عموما يمنحنا ممكنات تجوال ممتع في عالمه التشكيلي الذي تخيره و يواصل ضمنه دأبه بكثير من الحرص و الاشتغال و الحلم.
تجربة و معرض متنوع يعكس حيزا من رؤية المالكي الجمالية و يتواصل بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون الى غاية يوم 3 جوان المقبل.

حول الموقع

سام برس