سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
عالم لوحاتها بمثابة النسيج الذي يبرز جماله وفق وحدة متناسقة لونا و موضوعا...

"التداوي بالفن مجال علاقتي بالأطفال الذين أتقاسم معهم أشياء كالتلقائية و البراءة الأولى"

"العمل الفني عندي له طقوس و مناخات فيها مراحل متعددة و أديرها برغبتي و مزاجي"

"تعجبني تجارب عديدة أهمها لعلي بن سالم و الخياشي من تونس و كليمت من النمسا.."

"في أعمالي قول أشياء كالحرية..الانسان الحرهدف لوحاتي وتعبيراتي الجمالية عن دواخلي"

للفنون عناوين شتى حيث الكائن يتخير منها ما يلائم مزاجه و فكرته الوجدانية و الجمالية و هو يمضي في حله و ترحاله تاركا قلبه للكلمات تفعل فعلها الملون بالشجن و بالأحلام البسيطة...هذه الأحلام التي خط معانيها أطفال جدد يمرجون و بلا ذاكرة..انه المرح الجديد الذي أخذ الطفلة الحالمة منذ خطى الطفولة الأولى الى تلوينات هي اللعبة المثلى و هي الأنشودة الأولى..

بين الرسم و النشيد نواح خافت يلمع في الآفاق هو بمثابة الذاكرة اللونية التي يحتشد بها عالم من جمال الذات و الروح و ما يترجم من خلالها من رغبات جامحة تجاه الرسم و التلوين ..فكرة التلوين أخذت الى شواسعها الفتاة لتغني لها أغنية مفعمة بالحلم ..هذا الحلم الذي تخلت فيه هند عن الأرقام و الحسابات لتركب صعاب و مغامرات الفن.. الرسم ..نعم انها المغامرة في أكوان الضجيج و عوالمه...

هكذا نلج عوالم الفنانة التشكيلية هند الصغير زروق في سفرها هذا مع عالم الرسم الذي غامرت في دروبه بما لديها من فكر و حلم و مزاج ..تنوعت أعمالها وفق ذاتها الفنانة التي قادتها الى ضجيج الفنون و الأروقة و ورشات الاطفال..و هو ضجيج جميل و محبذ لفنانة

تحب الفن بل تتنفسه و قد صار ملاذها في صخب الحياة و الأعمال و الناس...

عن هذه الرحلة الفنية التي تخيرتها تقول الرسامة هند الصغير زروق "... ولعي بالفن و الرسم كان منذ الصغر حيث نمت بداخلي فكرة التلوين و تطور هذا الأمر حيث انضممت الى ورشات للرسم و مع تخرجي من المعهد العالي للفنون الجميلة ضمن اختصاص " الديكور بالفضاء الداخلي " خضت بعد ذلك تجربة التنمية البشرية و طورت جوانب منها للعلاج و التداوي بالفن كمجال للأطفال الذين أتقاسم معهم الكثير من الأشياء كالتلقائية و البراءة الأولى و غير ذلك للهروب من ضغط العوالم اليومية و بحكم عملي المادي في الحسابيات أحسست باهمية العوالم المعنوية و ما تمنحني أياه من قيم و رمزيات تسعدني كثيرا في التعاطي مع الفنون و الرسم و هذه العلاقة بعوالم الأطفال تثمر أعمالا فنية من خلال أحاسيسهم و تفاعلاتهم و ابداعاتهم كانت مجالا لمعرض ضمها خلال شهر ديسمبر 2020 بالفضاء السياحي الموفمبيك ..نعم الفن جزء مهم من حياتي و كياني ..فالعمل الفني عندي له طقوس و مناخات فيها مراحل متعددة و أديرها برغبتي و مزاجي حيث يبرز موضوع العمل ليأخذ حيزا في ذهني بنسبة 80 في المائة و يتبقى الانجاز بنسبة 20 بالمائة أي أنني أعد لعملي الفني في ذهني و يكون جاهزا كفكرة و تلوين بنسبة كبيرة ..أمنح العمل الفني مرات لأعود اليه و هو يكتمل و يبرز في تطور جمالي بين ..لوحتي الفنية أضعها في مختلف الأضواء الطبيعية و غيرها في الشمس و النهار و الليل لأفهم و أتبين ما أردته حيث العمل الذي يترجم ما قصدته و يمثل كينونتي و رغباتي الجمالية و الفنية ..أنا أعمل وفق وعي فني و رؤية جمالية تتلاءم مع شخصيتي التي فيها الواقعي و المغامر و كذلك البراءة و الهشاشة..هي شخصية الفنانة بداخلي ..أحب الألوان الحية و الألوان الأساسية دون تخليط و كما هي و أميل للون الأخضر و الألوان الأصلية و مشتقاتها..تجربتي مع " ديكور الفضاء الداخلي " منحتني خبرة فهم الفضاء ..فضاء اللوحة و البرسبيكتيف و التوازن بين الفارغ و الممتلىء ...الفن مجال مهم للتهذيب و الصقل و التجميل ..ميلي للفن و غرامي به له جذور حيث أن جدي كان يعمل في الخزف و يزوقه و هو موهوب في هذا الجانب و كذلك أمي كانت..تعجبني تجارب متعددة لفنانين تونسيين و عالميين و في هذا السياق أذكر علي بن سالم و الخياشي من تونس و كليمت من النمسا و هؤلاء طبعوا حبي للرسم ...في أعمالي الفنية أرغب في قول أشياء منها الحرية ..الانسان الحر من مرامي لوحاتي و تعبيراتي الجمالية عن كل ما بداخلي ...".

أقامت عددا من المعارض الخاصة و الجماعية منها المعرض الخاص برواق كاليستي خلال شهر مارس 2021 ..تتخير ألوانها التي تراها خاصة بها فيها النور و الدفء تعبر فقط عن داخل الطفلة البريئة و هي تجاه القماشة تبصر سير تلوينها المخصوص في حوار مع ذاتها الحالمة بالانسان ..لطخات و خطوط و أشكال و تنقيط و ما الى ذلك من العناصر حيث تبدو اللوحة بمثابة النسيج الذي يبرز جماله وفق وحدة متناسقة لونا و موضوعا مع ما ارتأته هند الرسامة الشغوفة للقول بحيز كبير من اعتمالات ذاتها الأمارة بالرسم و التلوين و الفرح في عالم يحتاج شيئا من هدوء يقترحه الفن بقوة..الرسامة هنا ترسم و تعانق ألوانها و هي تتنفس و تحلم برؤية الجمال و البهاء و الرقي ..تلوينات في فضاء يمضي الى الاحتفاء بالرسم و هو يثمن الانسان و ذواته المتعددة و المرأة هنا في مساحات مذهبة تلمع تحيل الى نساء غوستاف كليمت الفنان التشكيلي النمساوي ..هند الصغير تحتفي بلوحاتها و هي تحلم لترسم ما بدا لها وفق شغفها هذا لا تلوي على غير القول بالفن يعلي من عناوينها الضاجة بالجمال ترتب ما تداعى في الأكوان و في دواخلها هي كطفلة غامرت بالحب تجاه الفن لتسافر مع الأطفال في عوالمهم البريئة و الهشة و ...الجميلة...

و قد تماهى الفنان التشكيلي و الناقد الدكتور الحبيب بيدة مع عمل الفنانة هند الصغير الفني و الجمالي ليقول "... ذاكرة خيال هند الصغيّر، هذه الفنانة التي بدت لنا مغامرة بشغف لاكتشاف خزائنها الملآنة أسرارا تحاول أن تمنحنا مفاتيحها.هي أسرار ذواتها إن صح القول لذلك اختارت أن يكون عنوان أبحاثها البصرية على عتبة الذات لكنني استشف من هذه الأبحاث، هذه الفضاءات التصويرية بما تمتلكه وما تحتويه أنها مبدعة من ذاتها وذاتها تحتوي ذوات متعددة ومتنوعة تعطي للباصر المتبصر ذي البصيرة النافذة، العديد من السمات والخصائص اللغة/تشكيلية أو اللغة/تصويرية. إذ لم تقتصر الرسامة هند على ثوابت جامدة بل كان حدسها منطلقا، مندفعا لاختراق ما تمكنه أدوات الحسّ لتبدع مشاهد من ذاكرتها ومن ذاكرة الفن تآليفًا ومعالجات مادّويّة للألوان والأنسجة التي تتفاعل لتلتقي بممكنات ومكتشفات فناني الحداثة.إذ نجد في فضاءاتها حوارات بين قوقان وماتيس وكليمت وكأنني بها تحوّل وجهة هؤلاء الفنانين لتجد لنفسها طريقا مختلفا يعانق ذاتها وتعانقه.في هذا الطريق، كانت صورة المرأة وصيرورتها عبر مساحاتها التي تعمّقت واتخذت أبعادا فضائية وفضاءوية بفعل ذكائها، ذكاء هند التشكيلي، إذ فعّلت أشكال هذه الصور بلمسات ولطخات وخطوط وخطيطات ونقاط ونقيطات فأصبحت أنسجة ملتمعة تنادينا وتنادي أبصارنا للخوض في خيوطها "المنسوجة" فترتجّ العين بفعل هذا البحث اللذيذ عن العلائق الممكنة بين ذرات متجاورة متراكبة ومتلاصقة. ذرّات تلتمع بفعل تبايناتها وتعالقاتها بلون ذهبي لمّاع هو الآخر يذكرنا تعامل الرسّامة معه بتعامل قوستاف كليمت الذي كان يبحث عن تحاور الفنون الغربية مع الفسيفساء البيزنطية واللوالب الأرابسكية العربية، لكن هند تبحث في اللوحة عن تعالق آخر وعناق آخر، عناق ذاتها المبدعة لذوات كامنة فيها عددتها ونوعتها ثقافات تصويرية. أعتقد أنها بذلك تبحث عن تأليف ما أو تآلف ما بين بواطن ساكنة حركتها لتتظهّر وتطرب الذوات المدركة لها ولفضاءاتها المؤلفة.وتعدّدت صور النساء أو النسوة المجردات والمدمجات في الفضاء التصويري للتتّخذ أبعادا جديدة ومفاهيم جديدة، مفاهيم تنطلق من كونها تعلات للتصوير لتصبح هي التصوير وهكذا يندمج الحسّ مع المفهوم في حقل التصوير، هذا المفهوم الذي ينفتح ويتجاوز حدود اللوحة الحاملة له ليحلّق في رؤى الأنفس العاشقة للحريّة، حريّة الرؤيا.تمكننا هند من الالتذاذ والاستمتاع البصري إلى أن ننسى هذه اللذة وهذه المتعة البصريتين لنطرب في أجواء ملائكية سمّوائيّة في حقول فردوسية ننفذ من خلالها إلى صدق الرسّامة الصدوق الذي يجعلنا نتأمل وفي نفس الوقت نأمل الصعود إلى هذه الأجواء العليا، أجواء الخيال الملتحف بنور اللون والمتحرك بلون النور الذي انبجس بعد أن تجاوز عتبة ذات الفنانة لننتشي معها بسر خمره وإلق سحره في مأدبة الفنانين الباحثين عن جمال الخيال وأخيلة الجمال برفقة الملائكة العاشقين...".

هند الصغير زروق فنانة تشكيلية تنحت طريقها بحب و أمل كبيرين في عوالم اللون لتقول ما يعتمل في دواخلها بكثير من شعرية الحال و الأحوال و ببهاء معتق هو نشيدها القديم حيث الخطى الأولى لطفلة البدايات مع الرسم ..الرسم الذي صار الهاجس لها..و الحياة.

حول الموقع

سام برس