سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
أحوال الانسان..و القول بالشجن البليغ ..و ربما الافصاح عن سخرية تصلح لقادم الرغبات..

فوكوياما الذي هده الفشل والرفيقان يبحثان عن"المورستان"..و كتاب الطبخ الذي يجلب السعادة...


السرد فعل كتابة مخصوصة تمتح من العوالم و الدواخل و الشواسع حيث الذات في سفر حكائي يرتجي فيه و منه الكاتب و شخصياته و رواته و أزمنته و أمكنته ... و غيرذلك شيئا من لطف الروح و صخب القلب و اعتمالات العقل في مواجهة العالم قديمه و راهنه ..السرد ضرب من الدأب الكتابي في سكينته و جنونه و مناخات حالاته الشتى تجاه الكائن و هو يجترح موسيقى سيره في الأرض..منصتا للآخرين في شؤونهم و شجونهم ..مبديا دهشته و حيرته و كذلك طمأنينته و سعته ..كل ذلك نحتا للقيمة و قولا بالشجن البليغ و ربما الافصاح عن سخرية تصلح لقادم الرغبات..
ها هو السارد هنا يأخذنا طوعا و كرها الى عوالمه الملونة بالتداعيات المربكة و الشيقة
في كون متلاطم الأحداث حيث الكتابة هنا ضرب من العزاء و السلوى و ما يشبه النواح الخافت و الأناشيد المدسوسة في الاصوات التي هي بين الأهازيج و العواء و النهوند..

ستة فصول كانت بمثابة التنويع في ذات النسق السردي تخيرها نعمان ليمضي بقارئه الى جوه السردي وفق رواية هي كما يبوح منذ صفحاتها الأولى (...رواية حالمة واهمة ، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا ،ربما عن نقصنا أو كمالنا...).
في أكثر من 150 صفحة صب الروائي نعمان الحباسي جام سرده منطلقا من تناقضات الحال و الأحوال في زمن مفتوح و هو يغوص في الكنه و الوجدان و الوجود و بجمل و فقرات شديدة الارتباط و السرعة في بوحها و فيضانها و بروح حكائية ممتعة و يجد فيها القارئ ما هو مشوق .. أحداث في زمن ممتد و عوالم من المعيش السياسي و الثقافي و المعولم و " قرَوْدَحُ " و "ٌ الوقواق " و سبل الوُجود و متاهاته و بين الكتب و الكتب حوار بين ..كتب الطبخ و نهاية التاريخ ..فوكوياما هنا .. فسحة الخيال في أنس الواقع و معوقاته و أدغاله في الثقافة و الحرية..و الجثث المختلفة و المغامرة و الصراع و الدهشة و ...فوكوياما الذي هده الفشل ..فشل المنوال. و الرفيقان يواصلان الطريق..يبحثان عن المورستان..نعم هنا كتاب الطبخ الذي يجلب السعادة...

عالم مدهش و بعضه معلوم عندنا و دهشة طي السرد رام من خلالها ساردها قولا بليغا تجاه الجميع بل تجاه ذاته في ضروب من السخرية و في جهد تجريبي من حيث طرائق السرد و الاسترسال في الحكي و هي مغامرة الحباسي في هذه الرواية الأولى في رصيده ..

بعد الاهداء الحميمي في العبارة من العائلة الى الخلان و المتن و الهامش يشير الكاتب الى ما يراه بمثابة الانشقاق و المعالم لهذا العمل الروائي لنقرأ الآتي "... رواية حالمة واهمة ، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا ،ربما عن نقصنا أو كمالنا، لا منهج و لا أساليب في تطبيقـــها ، إنما هي و حدة مــــجزّأة متكاملة تنفر من الـــواقع و تستجدي الحلم و الوهم. كلماتها عابرة، سيئة التعبير، غِلْظَةُ المشهد سليل الوجع.
‎صورة رديئة لبصيرة معتمة عمياء، لن تسمع و لن تنحني إلا بانقلابها حول ذاتها، قبل التشريع لها في ملحمة التقاتل مع واقعها.

‎احتمال الاصطدام و شيك ، ينبع من وحدة الشكّ و جمهرة الصدمة و بصيص النور القائم ضمن قتامة المشهد و عُتمة الرؤى ، سبيل الفرد لا يعدو حلمه أوْ وَهْمه ولكنه واقع ضمن الأمل ومنطلق منقلبات الجسد والروح على الطبيعة.

‎التجريب فيها بحث، والبحث من خلالها تجريب، انتظم من الكتابة في الوجود، ووجد من الموجود في الكتابة، علّهُ يتمرّدُ عليه ...".

هذه الرواية " شقائق الشيطان " للكاتب نعمان الحبّاسي صدرت عن دار ميّارة للنشر والتوزيع و بعد انطلاقها سرديا بكونها "رواية حالمة واهمة، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصّورة تبحث في دواخلنا، ربّما عن نقصنا أو كمالنا، لا منهج ولا أساليب في تطبيقها، إنّما هي وحدة مجزّأة متكاملة تنفر من الواقع وتستجدي الحلم والوهم. كلماتها عابرة، سيّئة التعبير، غِلْظة المشهد سليل الوجع"...تمسك بالقارئ و تشده الى جسدها اللغوي المعتق و الساخر و المغري انتهاء الى حكاية فوكوياما و كتابه ..كل ذلك في فسحة مشوقة بين الخيالي ( الخيال شخصية في الرواية ) و الواقعي و العجائبي و المسلي و الموحش و الموجع ..لقد تخير نعمان في هذا العمل نهج البسيط العميق ..سردا و فكرة..اسلوبا و مضمونا..من خلال تلميح و اشارات لوقائع و واقع هنا و هناك ..في كون معولم تهددته و عبثت به كائنات هشة غبية فارغة..و طغت عندها ثقافة الواجهة و كتب الفراغ و اللهو ..لتسقط القيمة و تنهار كل ذلك في الفصول داخل " شقائق الشيطان " و هي : " اللّعنة و نزلاء القفار و العبث و مطامع الغفران و شطرنج الحياة و الدّائرة "..كتابة فيها ممكنات النظر و التأويل فكأننا أمام لوحة تشكيلية فيها مشهدية سردية تجريدية تسائل واقعها في لغة محفوفة بالدهشة و محيلة على التأويل..

الكاتب هنا و في هذا الزخم من الاحداث و أزمنة الكتب الواردة طي السرد الشقائقي مسكون بالتاريخ بل انه يعود اليه من خلال ما يحضر في الرواية مشيرا بذلك الى أن الانسان هو الانسان منذ القدم و الازمنة الغابرة..هناك الصراع بين الجميل و القبيح و بين الخير و الشر و....و لعل الحديث عن كتاب " نهاية التاريخ والإنسان الأخير" لفرانسيس فوكوياما هو في سياق ذلك حيث المجال لكتب الطبخ و هنا اشارة للكون المعولم و كائنات مجتمعات الاستهلاك ...و لعل الكاتب كذلك بانتهائه في روايته هذه بشكل العود على البدء يشبر و يبرز شيئا من تلوينات اليأس و الاحباط و ما الى ذلك من قبيل الجهل أمام المعارف و النبل تجاه الرداءة و السقوط و الفراغ.

رواية تمدح القيم تجاه الخواء و السقوط و التداعيات المريبة و الجشع و تشير بسحر كتابها الى مواقع الداء الانساني و الوجداني نحتا للقيمة و للانطلاقات الجديدة لشعوب نائمة في فراغات يحرسها الفراغ..هي رواية تمجيد الخيال الذي جعل منه الكاتب شخصية في واقع حيواني مترد كل ذلك تقصدا للحياة المؤسسة على الرقي و الجمال و ما هو نتاج معارف و علم و نقاء..

من النص الروائي " شقائق الشيطان " نقرأ ما يلي " ....و لم يدر الخيال كم من زمن مر ليس كالزمن ..أهو دهر.أم هو حياة بأكملها..أتراه زمن القيامة أم التجربة..كان ينتظر استفاقة القرودح أو موته لانهاء القصة و التسليم للمصير المحتوم.فقد أغفل منذ بداية لوثة القراءة التعريف بنفسه رغم كونه شخصية يطلب النقاد تعريفها لاستكمال تقنيات الرواية في عمل تأملي صمم صاحبه على الالتزام بتجريب مسالك أخرى .....".
فعلا الرواية مجال تأويل و قراءات حيث أننا ازاء متن سردي هو الأول لصاحبه في مجال الفن الروائي يسعى من ورائه لقول الكثير في فسحة من النظر تجاه أشياء كثيرة حدثت / تحدث في أكوان الناس ..لقد تخير لغته ..حيرته..و أسلوبه و دهشته الباذخة ليشير الى ذاته و الى الآخرين...و الى الآفاق.

و عود على بدء كما جاء في الرواية و خيطها الناظم هي لعبة سردية مشوقة ناقدة لاذعة حالمة محبطة " ... رواية حالمة واهمة ، مبدئيّة الموضوع مركّبة الصورة تبحث في دواخلنا ،ربما عن نقصنا أو كمالنا..."..رواية زمن بل أزمنة دعاها الكاتب نعمان الحباسي ليحاور طياتها و تفاصيلها وعيا بالزمن هذا..على عبارة " اميل سيوران " ...الوعي بالزمن مؤامرة على الزمن.


حول الموقع

سام برس