سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
فسحة جمالية من عالم الموزاييك الفاتن و الشاق و الممتع و الصعب و البديع وفق عناوين شتى ذات دلالات فائقة منها " تواصل " و " تشابك " و " السالب /الموجب " و " تمركز لولبي " و " تعاكس " و " تمركز" ...
المعرض للخروج عن المعتاد / المألوف في فن الفسيفساء من خلال تنويعات على مستوى المواد و طرق الانجاز و الاخراج..
حوار بصري حياكي فضائي لا مسبوق سواء بالإبصار أو حتى اللمس ،يهدف لشد المتقبل في تفاعل مباشر..


في هذا السفر المفتوح على العوالم تخير الكائن ذهابه نحو الأقاصي ينحت دربه مثل مياه النهر تنحت مجاريها في الصخر..هكذا هي الرحلة بعطور الفن النادرة ..الفن كمجال للنظر و اللمس و الحلم بفكرة الجمال في هذه الأكوان..

من فكرة الحجر القديمة كانت الرحلة حيث الكائن يمضي مع سؤاله و هو يبحث في الآفاق عن صوته اذ لا مجال لغير النشيد و القول بالعذوبة ازمنة اليباب..ثمة بهاء كامن في الروح و بوح و نظر و أنامل تكتب سيرتها...سيرة الأجداد ..

الفن في ضفافه المتعددة ياخذ الكائن طوعا و كرها الى ينابيعه يمنحه رفعة الاكتشاف و الكشف و الاطلاع ليغدو كائنا بجمال العناصر و ألق الأشياء و سحر التفاصيل..هي فسحة باذخة تؤول الى شعرية لا تضاهى..هي ما خلفته الانامل و ما يتركه الطفل في غفوته من الأحلام..

من دروب الفن جهات تعلي من شأن الحجر و نشيده ..تصغي الى نبضه في هذا الضجيج الكوني العالي..تمنحه العبارة في القها و تشكو اليه شجونها و شؤونها..قال الشاعرالعراقي عبد الوهاب البياتي في عنونة ديوانه ذات شعر..كنت أشكو الى الحجر..نعم هي لعبة البوح حيث الحجر يصغي بلطف للكائن و لأسراب الطيور و لمياه النهر...و للفنان و هو يبثه شيئا من تداعياته و أمله و ألمه..

هكذا نمضي مع عوالم تجربة فنية تشكيلية تسافر في هذه الدروب مفعمة بالغناء و قد تخيرت الانصات الى الحجر بل الى نبضه في كثير من الدأب الجمالي..الفنانة نسرين الغربي تقتحم هذه المجالات بحواس فنان ماهر و بفطنة بستاني و بجمال المعاني عند شاعر باذخ..فسحة جمالية من عالم الموزاييك الفاتن و الشاق و الممتع و الصعب و البديع وفق عناوين شتى ذات دلالات فائقة منها " تواصل " و " تشابك " و " السالب /الموجب " و " تمركز لولبي " و " تعاكس " و " تمركز" ...نسرين الغربي في معرضها الخاص " نبض الحجر " تلعب لعبتها المثلى مع العناصر في صبر و عناد جميلين يحيلان الى مشهدية راىقة النظر حيث المساحة للعمل الفني ورشة تعتمل فيها رشاقة ذائقتها الفنية و الجمالية ..لعبة البهاء و الجمال بإستعمال خامات صلبة صمّاء تنوعت بين الحجر و الرخام و البلور و القرانيت ....لعبة هي بمثابة لعبة الأطفال في براءاتهم الأولى..

معرض مميز من حيث الفكرة و التقنية و مجالات الابتكار فاللعب على الأبعاد و الخروج عن المعتاد في التعاطي مع هذا الفن الفسيفساء الذي تعوده الناس بشكله المعروف..

نسرين عمقت فكرة اللعب الفسيفسائي حيث التلقي و القراءة و التقبل بشكل مختلف كما أن المتقبل هذه المرة للأعمال يسافر مع مناخاتها و كأنه يحلق مع الكواكب في الفضاء أو أنه يتوغل في أمكنة أخرى من الأرض .. هي المغامرة حيث الفنانة نسرين الغربي الباحثة المتأملة تحاول و تحاور ذاتها في نظر يشبه النظر لأمواج البحر و الكواكب في مسحة فنية فيها الحركة بألوان و أحوال التجريدية .. و الايحاء بالتشخيص أيضا..

معرض فني رائق احتضنه رواق المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس في الفترة من 16 الى 23 من سبتمبر المنقضي ..نسرين الغربي باحثة و فنانة تشكيلية متحصلة على دكتوراه في علوم وتقنيات الفنون متخصّصة في فن الفسيفساء و قد شاركت في عديد التظاهرات و المعارض الفنية الجماعية نذكر منها المشاركة في جائزة الشارقة للصورة العربية في نسختها الخامسة ،و صالون الجنوب الثالث بالأقصر،و ملتقى الفسيفساء ببرج القلال ... والمهرجـانات الـدولية للفـنون التشكيلية بالمنستير والجم وغيرها ،نشرت لها عديد المقالات العـلمية في مجلات محـكمة ومتحصله على عدة جوائز ،عـضوه و ناشطة فـي العـديد مـن الجمعيـات الفـنية والـثقافية، الـوطنية و العالمية.يضّمُ هذا المعرض زهاء العشرين من الألواح الفسيفسائية متعددة القياسات انجزت بتقنيات مختلفة .. فيها استثمار المحيط الطبيعي الذي يزخر بخامات مطردة التنوع.كانت بمثابة المكونات الأساسية لهذه المنجزات الفسيفسائية التي تواشجت فيما بينها محدثة انساقا وايقاعات تتداخل و تتشابك فيها مختلف الوحدات الفسيفسائية تجسمت منها تراكيب اسـتدعـت مفاهـيم التكرار و الـتقابل والتفتت و الاختراق كلها تتقابل في ديناميكية من حيث الشكل اوالمضمون في تواصل بصري حياكي صلب اللوح ذاته أو حتى حوار ثنائي تفصله الفضاءات والمسافات و تربطه الحياكات ، في استنطاق للحجر الاصمّ وتطويعه لينبض بخفايا التشكيل الفسيفسائي عبر تناولات تركيبية تتباين بين التجريد و الايحاء بالتشخيص بإستعمال خامات صلبة صمّاء تنوعت بين الحجر و الرخام و البلور و القرانيت ...حوامل احتضنت مقاربات فسيفسائية تمردت أحيانا على سطحياتها لتعانق الفضاء المشترك بينها وبين المتلقي فتدعوه إلى حوار بصري حياكي فضائي لا مسبوق سواء بالإبصار أو حتى اللمس ،الهدف منها شد المتقبل في تفاعل مباشر فاتحة له المجال كي يغوص في غمارها و يتحاور معها في جدال بصري لغـته الـحـيـاكـات و معانـيـه الألـوان قد تستحوذ على ابعاده عدة تأويلات و دلالات discours polysémique.

حياكات تخفي حكايات ،ترويها مشاهد مستنبطة من واقع مرئي يراوح بين البحث عن المعنى إلى حد التشخيص و بين اختفائه في غياهب الحجارة لحد التجريد الذي يحاول إستنطاق نبض الحجر ،حجر و إن بدا أصما ،فمن الحجارة ما يتفجر منه الأنهار ،أنهار المعاني و الدلالات و الإيحاءات التي طوعتها الأنامل فتداخلت الألوان و الفوريقات الضوئية بين ثنايا الجزئيات الفسيفسائية في تراصيف تنوعت بين التثبيت المباشر و الغير مباشر محدثة تفاوتا في درجات البروز حسب وِضْعات تراوحت بين الأفقي والمائل و العمودي ...هذه التراصيف و الوضعات و ان اختلفت مصادر استلهامها الا انها تحاول في كثير منها ان تخرج من بعدها المسطح من خلال التلاعب بمستويات ارتفاعاتها ما من شانه ان يخلق بؤرا يسكنها الظل في تضاد و تباين مع بقية المساحات المضاءة و التي بدورها تتفاعل مع التدرجات اللونية و الخطية الموظفة القائمة على مفهوم الجزئية اي انها تتكاثف احيانا و تتفرق احيانا اخرى في نهاية الامر ستستقر في تالف و تجتمع مع غيرها من الجزئيات لتمثل الكل ...هذا الكل وان اختلفت جزيئياته في تجميع هجين بين مادتي الحجر و البلور الا انها تتصف بنفس الصلابة جعلت من هذه الفسيفسائيات أرضية تستدعي النظر إليها والتفكير فيها للبحث عن منطق في التزاوج و الاجتماع و التي بدورها حققت بعدا حركيا كان حاضرا في مستوى الشكل والمضمون والتاثير على اسقرارها البصري وكسر الجمود من خلال بعض الاسطح المنظمة بمفردات التجريد الهندسي او بتحريك الاطار الى ثلاثي الابعاد وهذا من شانه يعمل على تقاسم جل الاعمال لمفهوم الحركة باسلوب تجريدي غير صريح في نفس الوقت تحافظ على روح الفسيفساء و ابعاده الجمالية ...اجمالا يعمل هذا المعرض على الخروج عن المعتاد / المألوف في فن الفسيفساء من خلال تنويعات على مستوى المواد و طرق الانجاز و الاخراج لكسر الحدود النمطية الفسيفسائية الكلاسيكية وتقديمها في أشكال تنشد الجِدّة والطرافة ...
معرض و تجربة و ذهاب فسيح ممتع رائق في متاهات من البحث و التجريب و الابتكار ضمن عالم الفن..الفن التشكيلي الذي يبرز هنا ضربا من تخير الفنانة الغربي..تخير الجديد و المبتكر و الاصعب...أليس الابداع الفني ذهاب في الطق غير المطمئنة..

حول الموقع

سام برس