سام برس/ تونس/ شمس الدين العوني
فسحة باذخة .. و بانوراما لتجارب و أجيال و أصوات شعرية قديمة و حديثة من الصين..

الشعر ... هذا القادم من الشواسع حيث القول بعين القلب ... لا بعين الوجه ... ثمة أمنيات شتى نمضي اليها تقصدا للضفاف ... للأقصى من المعاني ... و الكلمات ... هاهي الحروف بشتى تلويناتها تأخذنا طوعا و كرها الى ما به تسعد العبارة و هي في عنفوان بهائها ..

انه الشعر في أحواله يزيح عن الجغرافيا ما علق بها من تداعيات الزمن ... يعلي من شؤون جمالها و شجون تبدلاتها نشدانا لكون الكلمات و العبارات العالية من قبل الانسان و اليه ..

الشعر شجن الألوان و موسيقاها الناعمة حيث العناصر و التفاصيل و الأشياء في هيجانها الناعم و الجميل تأثيثا لما به تسعد الذات في حلها و ترحالها ...

هي لعبة الشعر الباذخة و فتنته و سحره أخذا بناصية العبارة تبث بهائها في الكائنات بكثير من الألف و الجمال..
هكذا هي رسالة الشعر في جغرافيا الأكوان منذ القدم نحتا للكيان و تأصيلا للذات .. الشعر موسيقى الجهات و عطورها الأخرى .. و الشاعر / الشعراء هنا فتية الكلام و القول و المعاني وهي تنبت في الأرجاء .. شعراء بلغات الألوان .. قصائد بتلوينات الكلام المختلفة .. نصوص الانسان في تنوع جغرافيته و ثقافته و دواخله و ترجمانه ..

الترجمة فعل كتابة أخرى و ابداع على الابداع .. هي كما قال الشاعر الكردي الكبير الراحل شيركو بكه س (1940-2013) : " الترجمة مثل "القبلة خلف الزجاج".. يعني هي النص الأصلي رغم النقل مع اختلاف روح وثقافة و بيئة النص المنقول ..
الترجمة فعل انسيابي و حضاري و ثقافي و وجداني .. تذهب بالشعر الى مناطق أخرى غير بيئته و حياته لتجعل له حياة أخرى و طعما اخر و ثقافة أخرى تثري أصل معانيه و تفتح بذكاء الآفاق لتتجاور التجارب و تتحاور..
هذا ما يحيلنا الى سياقات التثاقف و اللقاء الكتابي و الحضاري .. وهكذا نمضي مع عوالم تجربة أخذنا صاحبها الى ضفة أخرى و مهمة من الضفاف الثقافية و الحضارية .. و نعني الصين.

الأدب الصيني عريق و الشعر فيه من أشهر الاداب و الابداعات في العالم لخصوصياته و جمالياتة الجمة.. و الشعر الصيني بستان متعدد الألوان و الاشكال .. هناك الشعر النثري و الشعر الحر و من أشهر الشعراء القدامى نذكر "سونغ" و "تانغ" تركا شعرا من عهود الازدهار في الآداب الصينية لتمثل جانبا من التراث الثقافي الصيني المهم.
الشعر الصيني و في هذا العمل المميز للأديب عثمان الجلاصي الشريف مجال جمالي تبرز فيه القصائد بعمقها و جمال ايقاعها و أسلوبها .. هو شعر مشاعر و تفاصيل و هدوء و شجن في لغة ناعمة .. القصائد بطعم الحنين و الطموح و الذاكرة بشفافية عالية الجودة .. شعر فيه من الغزل و المديح و الرثاء و المجانية و التأملات الكثير ..
قبل ألف سنة من الميلاد كان الشعر الصيني الكلاسيكي حاضرا من خلال كلاسيكيات الشعر عبر "شيجينغ" وفق الارتباط بالمفردات و الثقافة الصينية بالشمال و بالمعلم الحكيم "كونفو شيوس" ليتطور هذا الضرب الشعري ...الشعر الصيني شهد تطورات أسلوبية تلازما و تناغما بين الثقافي المكتوب و الشفوي ... فهناك الأدب الشعري المكتوب و كذلك الشعر الشفوي التقليدي الشعبي المعروف بنصوص البلاد..

الكاتب عثمان الجلاصي الشريف تعدّدت تجربته الأدبية وفي الكتابة عموما ضمن تعاطيه مع الشعر والنقد والفكر والدراسات في مجالات علمية وتربوية مخصوصة ... والترجمة... هذه الأيام صدر كتابه الجديد الممهور ب"جواهر من الشعر الصيني – قديما وحديثا" من خلال الإعداد والترجمة ليأخذنا خلاله في رحلة ممتعة بين بساتين الشعر الصيني من خلال تجاربه ورموزه ورواده من القرن السادس وإلى الآن ... هذا الكتاب جاء في أكثر من 120 صفحة من الحجم المتوسط صدر عني منشورات الشريف للنشر ... مراجع هذا العمل في الترجمة متعددة وتعكس سعة اطلاع المترجم الذي أراد تقديم هذا الأثر كإضافة للمكتبة الثقافية والشعرية التونسية والعربية والكونية .. يقول في توطئة الكتاب "...وبصفتي متابعا لمجلة الأدب الصينية الناطقة باللغة العربية على امتداد عقود تمكنت من الإطلاع على شتى أنواع الكتابات الصينية من شعر وقصة وحكاية ورواية ودراسة والوقوف على ما تتسم به من جمالية وبعد إنساني ونضالي فهي تهدف إلى نشر قيم كونية كالمحبّة والتسامح والتكاتف والتضامن علاوة على ثقافة الإجتهاد والبذل والعطاء وحبّ الوطن والذّود عنه..."

هذه تلوينات من مناخات وحكاية الشعر الصيني بشؤونه وشجونه نشير إليها لنعود إلى "جواهر من الشعر الصيني قديما وحديثا" للكاتب عثمان الجلاصي الشريف.

في المجموعة المترجمة من الشعر الصيني نبدأ مع نص شعري بعنوان "قصيد قديم" لشاعر غير معروف وفيه فسحة شعرية باذحة بين الرومانسية والحب والوطن والحزن في أسلوب شعري رائق لنقرأ مايلي:

" أجمع ازهار اللّوتس في مياه النّهر. مستنقع السحليات تملأه الأعشاب العطرة.

هي أيضا أجمعها لكن لمن أهديها
إذا كانت حبيبتي بعيدة عني
ألتفت وأنظر صوب بلادي
الطّريق إليها تمتد إلى ما لا نهاية
قلوب موحدة ، منازل منفصلة
نحن نسبح في الحزن."

في هذه القصائد المترجمة نجد نصا للشاعر "زانق كيجيا" وهو من مواليد سنة 1905 ساهم على امتداد 60سنة في تطوير الحركة الشعرية في الصين وشارك في تأليف تاريخ الأدب الصيني والشعرالمعاصر ومن أعماله الشعرية (الأثر1933وسنة1936 وأغنية نهر هواي).

من قصيدته "ثمة أناس" نقرأ ما يلي:
"ثمّة أناس يدوسون على العشب
صارخين "أنا عظم"
ثمة أناس
ينحنون ليكونوا خير مطيّة للشعب
ثمة أناس ينحتون أسماءهم على الصّخر
آملين في البقاء أبد الدّهر
ثمة أناس مثل عشبة بريّة
يفضّلون ترقّب احتراقهم
تحت التراب ... ".

ومن القصائد المترجمة ضمن هذا الكتاب نجد نصا للشاعرة "جيجان تويا" وهي من مواليد سنة1960بمنغوليا الدّاخلية الوطنية للشمال الغربي لتشتغل محرّرة بإحدى المجلاّت.
قصيدة الشاعرة جيجان بعنوان "دائما بين أحضان الصحراء" منها ما يلي:
" ... سأقع في صمت رهيب
وسأكون بين أحضان الصحراء
سأعرف دوما متى يكون الصّباح
.... في المساء ..."

في هذا الكتاب من الشعر الصيني إشارات وتراجم للشعراء تساعد القارئ ومحب الشعر على التعرف على جوانب من سيرة أصحاب القصائد المختارة للترجمة من قبل عثمان الجلاصي الشريف الذي تخير عددا من التجارب من أجيال مختلفة تبرز النواحي الجمالية والاسلوبية في الشعر الصيني العظيم ... عظمة السور ... سور الصين العظيم ..." إن جواهر من الشعر الصيني " عمل مهم في سياق اهتمامات الاديب عثمان الجلاصي الشريف وفق اطلاعه وانفتاحه الأدبي والثقافي على آداب وثقافات ... الآخر ... العالم.

حول الموقع

سام برس