سام برس
رباب الشعيبي و الرحلة الفنية مع الرسم :

امي المرأة العظيمة أول من وضعني على سكة الفن و اول من علمني مسك الفرشاة و العبث بالألوان... منذ صغري ..

شمس الدين العوني

الفن سفر بالنهاية للكشف و التجدد و ذهاب الى الجوهر و الكنه و العميق الذي يطلب تأملا و تأويلا بما ينطوي عليه من دهشة ..انه الشغف تجاه الجميل الكامن في الذات و ما حولها .. هي فتنة التلوين ينحت هيئات الحال و الأحوال نشدانا للحالة بعيدا عن الآلة..

و التلوين بماهو فسحة الدواخل و لعبة النظر تجاه العالم بما يحيل اليه من جمال مبثوث في الأمكنة..كل الأمكنة بما هي عليه من أسرار و بهاء و زخرف حيث الذات في بعدها الجمالي تقول بالفن مجالا للتذوق و خطابا نحو السمو و لغة أخرى طافحة بالشعرية و السحر ...

هكذا هو الفن في تجلياته ذلك الضرب من التوغل في الأشياء و التفاصيل لقراءتها بعناوين من الابداع و الابتكار .
من هنا نمضي مع عوالم فنانة تعاطت مع لعبة الرسم و التلوين بحيز كبير من النظر مثل أطفال جدد و بلا ذاكرة سوى ذاكرة النظر العميقة..نظر الى حالات متعددة لجمال مبثوث في أرجاء القارة السمراء..افريقيا الساحرة بهذا البهاء و الزخرف و الألوان و غيرها من تفاصيل المشهدية الاجتماعية و الثقافية خصوصا..و هنا نعني الفنانة التشكيلية رباب الشعيبي التي تقدم ضمن أعمالها الفنية و جوه نساء افريقيات حيث كان معرضها الأخير بفضاءات العرض بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون تحت عنوان " جميلات القارة السمراء " ...

وجوه بتلوينات فيها الكثير من الدقة التي تشي بالحلم و الشجن و البهجة و السرور و غير ذلك..تلوينات في غاية الجو الافريقي بما فيه من جمال و عنق و ثقافة قديمة و عميقة..هي الرسامة التي دعت جمهورها الى هذه المفردات التشكيلية المحتفية بجميلات من القارة السمراء في تخير جمالي سعت ضمنه للحلول في هذا العالم الافريقي الساحر.

الرسامة رباب الشعيبي بدأت رحلة بالشغف بالرسم و الألوان مبكرا فهي من عائلة فنية و تشجع على الفن فقد كانت أمها السيدة روضة بن لطيف الفنانة العصامية المعروفة و كما تقول هي "...امي هذه المرأة العظيمة أول من وضعني على سكة الفن و اول من علمني مسك الفرشاة و العبث بالألوان... منذ صغري ( عمري سنتان ) كانت ترسم لوحاتها و تضعني أرسم بجانبها و تتركني هكذا غير مبالية بثيابي الملطخة و المتسخة بالألوان.. كنت أرى أمي قدوة و كنت أرى أعمالها انجازا عظيما و كنت أتمنى أن اكون مثلها و دائما افتخر باعمالها و أحمل صور لوحاتها في محفظتي لأريها لكل أصدقائي.. كنت أحس بالفخر و أتباهى بأعمالها.. من هنا انطلقت رحلتي مع الفن والألوان َ و كنت أرسم في كل فرصة متاحة .. أرسم أي شيء... مع الوقت في الإعدادية و الثانوية كنت اختار كمادة اختيارية الرسم و لأتحصل على أعلى معدل بالقسم بمادة الفن التشكيلي مما زادني ثقة بنفسي... آخرها 2008 سنة الباكلوريا حيث تحصلت على معدل 18 في مادة الرسم و من هنا توجهت للمعهد الأعلى للفنون الجميلة و بدات رحلتي مع الفن و قواعد الفن و دراسةالفن لأتخرج استاذة للفنون التشكيلية سنة 2011 ...

كان لأبي فضل كبير ايضا من خلال الدعم النفسي والمادي .. كان يؤمن بقدراتي َ و يشجعني في كل عمل أنجزه ويسهر معي الليالي يعد لي القهوة و يبقى معي و انا أعمل الى أن أتم انجاز شغلي الفن .. من هنا تعلمت السهر على ما اريد تحقيقه و تعلمت ان أتعب من أجل ما أحب... و الى جانب تجربتي كطالبة بالمعهد العالي للفنون الجميلة بتونس كنت طالبة ناشطة بدور الشباب و بالجمعيات الخيرية و أشارك في إنشاء ورشات رسم للاطفال و الكبار و انشر الحب و الألوان في كل مكانو شاركت كذلك في عديد المعارض الجماعية بتونس و خارج تونس و تحصلت عل عديد الجوائز و كانت جل اعمالي تتميز بالالوان الفاقعة و الألوان المشعة.. اغلب لوحاتي كانت تتميز بالوان بعيدة كل البعد عن الواقع و المألوف.. ارسم بشغف و حب كبيرين و قد يظهر هذا الحب من خلال حرارة الألوان و كثافتها و البعد عن الشفافية..أمزج الألوان بالحب و الألوان الفاقعة التي تذكرني بالوان القماش الإفريقي الذي يلبسه معظم نساء و بنات جنوب افريقيا..من هنا تطرقت لإنشاء معرض تحت عنوان "جميلات القارة السمراء َ" و المقصود هنا جميلات أفريقيا ...".

معرض رباب الشعيبي بدار الثقافة المغاربية ابن خلدون تضمن وجوها مختلفة لنساء مختلفات ميزاتهن انهن يحملن ألوان ملابسهم على وجوههم فكانت النتيجة لوحات لوجوه نساء مختلفات بثوب الوان افريقية خارجة عن المألوف متوهجة و بملامح و نظرات مختلفة بين فرحة و ابتسامة .. بين الحياء و الجرأة ..بين القَوة و الانكسار..اختلاف يجعل المشاهد يسال باحثا عن ماوراء هذه النظرات المختلفة..

تواصل الفنانة رباب القول ان "... كل لوحة من لوحاتي رسمتها بشغف رغم التعب و الصعوبات التي تعرضت لها فمن الصعب ان اوفر وقتا للرسم و انا رغم مسؤولياتي العائلية أعمل جاهدة كي يكون وقت ممارستي الرسم مناسبا و متناغما و غير متضارب مع هذه المسوليات و التحديات التي واجهتها...اخيرا تناسيت كل التعب امام كل من شجعني بداية من امي و ابي و زوجي الي أساتذتي لمجد النوري و زكريا القبي و ايناس الوسلاتي و غيرهم من الاساتذة الفنانين و كل منهم شجعني بطريقته الخاصة و جعل مني فنانة تشكيلية هذا اليوم و اريد ان اشكر وزارة الشؤون الثقافية على الدعم الذي وفرته لي لانجاز هذا المعرض من خلال تمكيني من منحة صندوق التشجيع على الابداع الادبي و الفني...".

فنانة غاصت في أدغال الألوان ..في سحر افريقيا الجمال و الدهشة ..تحاور الوجوه و تحاولها قولا بما فيها من عوالم تشي بالجمال و السرور و الشجن ...

حول الموقع

سام برس