بقلم/ الدكتور /علي أحمد الديلمي
ظل الشعب اليمني منذ قيامِ ثورة 26 سبتمبر يؤمن بمصطلحات العيش المشترك والوحدة الوطنية والقضاء على الفقر والأمية وبناء مجتمع قوى متماسك يتمكن من القضاء على الطبقية والمساواة وبناء جيش وطني قوى وتحقيق تنمية اقتصادية ترفع من شأن جميع اليمنيين والتي تبيّن مع مرور الزمن ان اليمن وأهلها عاشت كثير من الصراعات والحروب وأن ماكان يحلم به الغالبيه العظمي من ابناء الشعب اليمني ليست سوى أوهام ومصطلحات رنّانة هدفها استمالة عواطف العامة من الناس من جهة وخلق الشعبوية الداخلية من جهة أخرى

فعلياً اليوم العيش المشترك في اليمن هو فعل اضطراري ليس أكثر إذ إنّه يعبّر عن مواطنين مضطرين للعيش معاً في بقعة جغرافية معينة بحكم التاريخ والجغرافيا والصراعات والمصالح بمعزل عن رغبةِ هؤلاء الناس وبالرغم من مرور أكثر من ستين عاماً على الثورة اليمنية لم يتمكن اليمنيين من القضاء على المواجهات المذهبية والطائفية بعد بل ربّما ازدادت في السنوات الأخيرة وتيرة الخلافات وظهرت إلى العلن وباتت تتمدّد إذ تحوّلت من المواجهاتِ الناعمة في أطار الحياة الاجتماعية ومجالس القات ووسائل التواصل الاجتماعي إلى مؤسسات الدولة الحكومية والمؤسسات والشركات ومنها إلى المناطق والأحياء وصولاً إلى الخلافات داخل العائلات المختلطة عبر المصاهرة.

وبالرغم من وضع اليمن اثناء الحرب الخيرة والأزمة الاقتصادية والانهيار المالي الذي يشهده منذ العام 2011والذي يُعتبر من أسوأ الأزمات في تاريخ اليمن فضلًا عن الخسائر المادية الكبيرة التى تكبّدها الجهاز المصرفي وانهيار الأوضاع المعيشية للمواطنين اليمنيين وارتفاع نسب البطالة والفقر إلى مستويات لم يشهدها اليمن من قبل بقيت المصالح السياسية والشخصية للأحزاب وقاعدتها الشعبية هي الأولوية الأولى تحت عناوين الخطر الوجودي ومصالح هذه الأطراف وباتت المصالح المناطقية تُعرقل المسارات السياسية إكراماً للتوازن بين ممثلي هذه المناطق وقادتها وحفاظاً على مصالح الأحزاب وصاحبة التمثيل الأقوى فيها من شخصيات سياسية وعسكرية وقبلية ومناطقية

ان المصالح المناطقية والطائفية المذهبيه والحزبية تُعرقل كل المسارات السياسية وجهود السلام في اليمن من اجل تكريس مثل هذا التوازن الذى دمر اليمن وإذا ما نظرنا قليلاً إلى الأحداث المتتالية في السنوات الأخيرة نجد أنّ الصراع السياسي و الطائفي والمذهبي يتأزّم يوماً بعد يوم ويكاد يصل بالجميع الى اليأس من أمكانية اي تغيير يحقق السلام والتعايش المشترك

ظهرت في الآونة الأخيرة الكثير من المبادرات والمطالبات من أجل الحل في اليمن من خلال تقسيم اليمن الى دولتين شمال وجنوب او مجموعة من الأقاليم في أطار دولة اتحادية ونظام فيدرالي وهنا لا بد من الإشارة إلى أنّ المقصود من هذه المطالبات بناء الدولة اليمنية الحقيقية بعيداً عن السلاح واللاقانون بهدف العيش بأمان وسلام وسيادة واستقرار وليس الهدف منه طائفياً ومذهبياً إلاّ أنّ الذهاب في اتجاه هذا الخيار دون وضوح في الرؤيا والتنفيذ سيؤدي حكماً إلى استمرار الصراعات والحروب بين اليمنيين شمالا وجنوبا

وإن أردنا التصويب على جوهر المشكلة نجد أنّها ليست محصورة بالسلطة والمسؤولين فحسب وإنّما بنسبة كبيرة من الشعب الذي معظمه يحمل حقداً دفيناً في قلبه وعقله نتيجة التربية في المنازل التي تُغذّي الغرائز الطائفية والمذهبية والمناطقية منذ الصغر نتيجة المناهج التربوية والتعليمية في المدارس التي تُنمّي المفاهيم العقائدية في عقول الأطفال المبنية على الكره والحقد نتيجة الأفكار الحزبية والمناطقية والمذهبية التي تُعشّش في عقول السياسين والحزبيين والطائفيين والمذهبيين والجماهير القائمة في أساسها على فكرة الخطر الوجودي والخوف من الآخر ومن تطوّره ووجوده
وبناء على كلّ المعطيات والمؤشرات يمكن القول لا بل التأكيد إنّ العيش المشترك أكبر كذبة يعيشها اليمنيون ولا يمكن تطبيقه في ظلّ الخلاف الفكري العقائدي والمناطقي

وبينما تتجه الاوضاع في اليمن نحو خلق واقع جديد بداء ينسجم معه معظم اليمنيين وهو التعايش مع توازن القوى بين المكونات السياسية الاساسية فإن الوقع السياسي في اليمن اليوم أصبح مفتت وقائم علي أرتكازات مناطقية وطائفية ومذهبية يمكن أن تؤدي إلي مزيد من الصراعات والانقسامات والاختلافات السياسية والتحالفات التي تتغير بين ليلة وضحاها وستكون أثارها مخيفه إذا ماتم الاستمرار في دعمها وتغذيتها ليس على اليمن فقط وإنما عبر الحدود في المحصّلة الأزمة الوجوديّة الحقيقيّة في اليمن هي غياب المشروع الوطني بينما المشاريع المناطقية والمذهبيّة ليست أيضا في أفضل الأحوال إلا أنها أصبحت أداة لإضاعة حقوق المواطنين ومن الممكن أن تقود في أيّ لحظة إلى حروب مستمرة ومن غير الممكن أن تكون هي أساس أيّ إنقاذ بات اليوم أكثر من ضروري

ما يحتاج إليه اليمنيون لتحويل الوهم إلى حقيقة هو أن يتعلّموا فقه الحياة والمعاملة والتسامح والأخلاق وأن يضعوا قضية اليمن أولوية على سلم أولوياتهم بالمعنى الوطني الحقيقي وليس الحزبي والمناطقي والطائفي والمذهبي والتمسك بحقوق جميع اليمنيين وعدم استخدام المفاهيم المناطقية والطائفية والحزبية شماعة لإبعاد المواطنين عن بعضهم لا بل وتخويفهم من التقارب والتعايش

سفير بوزارة الخارجية

حول الموقع

سام برس